-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
النمساوي انغو بلا كمان يروي للشروق قصة 52 يوما من الاحتجاز في قبضة "البارا" سنة 2003

“أنا مدين للجيش الجزائري بحياتي”

الشروق أونلاين
  • 14584
  • 0
“أنا مدين للجيش الجزائري بحياتي”
بلا كمان رفقة زوجته وإبنه - صورة خاصة بالشروق

هو رجل هادئ، يزن كلامه وهو يروي قصة اختطافه سنة 2003 من قبل جماعة البارا، فالوقت حساس لأن اثنين من أبناء مدينته سالسبورغ، المدينة العريقة في شمال النمسا ومسقط رأس أحد عظماء الموسيقى الكلاسيسكة ولفغانغ اماديوس موزارت، هما حاليا في قبضة تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي في أحد المواقع بالصحراء الكبرى، وقد وجه المتحدث عبر الشروق نداءا إلى خاطفي الرهينتين النمساويتين بمعاملتهما معاملة إنسانية وإطلاق سراحهما. 

  • الجيش الجزائري أبدى احترافية عالية في تحريرنا
  • “تهنا في الصحراء ونحن نبحث عن الماء فأوقعتنا الزوابع الرملية في قبضة البارا”
  • كنا نأكل التمر على أنه شواء من شدة الجوع”

  الحادثة التي طالت مرة أخرى أبناء مدينته هزت مرة أخرى الرأي العام النمساوي وأعادت الى السطح ما عانه طيلة 52 يوما قبل ان يأتيه الفرج على أيدي قوات الجيش الجزائري. اينغو بلاكمان، 60 سنة، رجل أعمال، قال أمس في حواره للشروق انه كان ضمن مجموعة 17 سائحا أوروبيا من أصل 32 الذين اختطفتهم شهر مارس 2003 بالصحراء الجزائرية سرية يقودها صايفي عماري المكنى “عبد الرزاق البارا” نائب الامير الوطني للجماعة المسلحة للدعوى والقتال، قبل ان تقوم القوات الخاصة للجيش الوطني الشعبي بإنقاذه يوم 13 ماي 2003 من نفس السنة، كان رفقة ابنه وستة نمساويين اخرين، أربعة من سالسبورغ واثنان من مقاطعة تيرول، والآخرون من ألمانيا.كنا نبحث عن بئر ماء بغارة خنفوسة وسط تلال الصحراء بولاية إليزي بعدما تهنا بسبب الزوابع الرملية، عندها لاحظنا سيارة رباعية الدفع متوقفة وأبوابها مفتوحة وسط الصحراء، فادهشنا وتساءلنا ما إن كانت لسياح تائهين. فما ان اقتربنا منها حتى ظهر لنا بين ستة الى ثمانية أشخاص مدججين برشاشات من نوع كلاشينكوف، حسبناهم قطاع طرق نصبوا لنا كمينا لسرقة ما عندنا من أموال او متاع، كما تصوره أفلام المغامرات والروايات الخيالية، فنطق قائدهم باللغة الفرنسية وقال: “اذا فعلتم ما نأمركم به فلن يصيبكم مكروها واذا رفضتم او ترددتم فستعرضون أنفسكم لما لا يحمد عقباه”.

 السير في جميع الاتجاهات

 ما إن سمعت هذه الكلمات حتى توقعت أننا مقتولون لا محالة، ما كنت أخشاه لحظة اختطافي أن أقتل ويلقى بجثتي في الصحراء لتأكلها الجوارح والحشرات. لكن ما إن أمرنا قائد المجموعة بالسير لركوب سيارتنا حتى بدأت في ربط الاتصال بهم ومخاطبتهم لأن كل واحد يقع في مثل هذه المصيبة يريد ان يفهم لماذا، لأن حينها لا تتوقف عن التفكير وطرح التساؤلات وتصور جميع السيناريوهات، الاهم ان تفهم حتى ولو قتلت فهو أخف ضرر لك من ان تقتل دون ان تعرف لماذا. وكان لي ذلك بعد أربع أو خمس ساعات من الاختطاف  عندما كلمت من خاطبنا في أول مرة ونحن متوقفون. فرد علي حينها بأننا سجناء وأننا سنعامل معاملة السجناء، ورفض ان اسأله أكثر مما رد علي الا بعد مرور الاولى عندما أصبحنا نتحدثت مع عديد من أفراد المجموعة.             أجبرنا على مدى 52 يوما على السير تحت “هجمات” البعوض ليلا والذباب نهارا، نشرب الماء  من “القربة” وتارة من الابيار المتناثرة في الصحراء. كنا نسير في جميع الاتجاهات شمالا ثم جنوبا وتارة غربا ثم نغير الاتجاه شرقا وبعدها نعود جنوبا، وأنوار السيارات لا تُستعمل حتى لا يُعرف مكاننا. كنت استدل بالنجوم لمعرفة مسارنا وكنا أغلب الوقت لا ننام بما فيه الكفاية.  كان ابني اندريا دوما بجانبي، شاب في الـ25 جعل نفسه حارسا علي ومستعدا لعمل المستحيل من أجلي في الوقت الذي كنا أحرص على ان لا يتهور لأنه صعب على شاب مثله ان يجد نفسه مع أبيه في سجن علوه السماء وأسفله الرمال والحجارة، لا حيلة لك فيه سوى الانتظار والامل. كنت أنظر إليه واستحضر صور وصولنا الى الجزائر قادمين من مدينة جنوة الايطالية مرورا بتونس على متن سيارتنا رباعية الدفع من نوع “تويوتا” وروعة الايام الاولى التي قضيناها في منطقة الهڤار ثم منطقة غارة خنفوسة. 

التمر بمثابة شواء أو “كافيار”

 بعد مرور بضعة أيام لا أتذكر إن كانت خمسة او ستة، انضمت إلينا مجموعة من 15 سائحا آخرين كانوا قد اختطفوا خلال شهري فبراير ومارس 2003 وأغلبهم من الالمان. وكان مختطفهم من نفس المجموعة التي قامت باختطافنا وكان تعدادها من 25 الى 30 مسلحا أغلبهم من الجزائر وثلاثة منهم يعرفون الصحراء معرفة جيدة.  قائدهم كان يركب في سيارة لوحده مع السائق لا يقترب منها أحد. الكبار منهم الذين فاق سنهم الثلاثين كانوا يتقنون الفرنسية خلاف الشباب منهم الذين كانوا يتحدثون غالبا بالعربية او ما أعرف انها العربية وإن كانت عند الجزائريين بمثابة اللهجة المحلية. كان طعامنا الماء والدرة والزبيب وعندما كان يقدم لنا التمر فكان طبقا راقيا مثل المشوي  او “الكافيار”.وقد قسمنا الى مجموعتين تبعد الواحدة بحوالي 200 كلم عن الثانية، وكان قائد المختطفين عبد الرزاق البارا الذي تأكدت من هويته بعد إنقاذنا من قبل الجيش، يأتي لزيارتنا مرة كل ثلاثة او أربعة أيام ثم يختفي. وكان لا يطيل المقام مع المجموعة سوى لإعطاء الاوامر ومعاينة ظروف المعتقلين. كان كثير الكلام في الهاتف النقال وكان يبدو ان بحوزته أكثر من نقال ليجري بها المفاوضات بخصوص دفع الفدية لأن المختطفين أخبرونا بأنهم قد طلبوا فدية مقابل إطلاق سراحنا.عندما رصد الجيش مكان المجموعة، انفصل الارهابيون عنا، حيث سمعناهم يأمروننا بالتوجه نحو التلة: “يالاه يالا اذهبوا هناك” . هذا آخر ما سمعناه من المختطفين قبل ان نسمع دوي الانفجارات والرشاشات النارية الذي دام قرابة ساعة ونحن مختبئون وسط صخور عارية بسفح جبل.

وقد تفادى الجيش الجزائري في عمليته ان يصيبنا مكروه حيث عرفنا انه قتل تسعة من المسلحين وكنت قد شاهدت جثث أربعة منهم. وما ان وجدنا عناصر الجيش حتى تيقنا بأن مأساتنا قد انتهت، فأنا مدين للجيش الجزائري بحياتي بعد أن أبدى احترافية عالية لإنقاذنا، وأول شيء طلبته ليس الماء أو الطعام وإنما الهاتف لأتصل بزوجتي وأولادي الثلاثة الاخرين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!