-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أنزلوا جميعا!

حسين لقرع
  • 1625
  • 0
أنزلوا جميعا!

من الطرائف الشائعة عند الجزائريين أنّ أبًا أخبر أبناءه بأنه سيشتري سيارة، فاشتدّ الخصامُ بينهم بشأن من يركب في المقعد الأمامي، وكان الأبُ يراقب المشهد الهزلي واحتدامَ الصراع بين أبنائه على مقعدٍ في سيارةٍ غير موجودة، فقال لهم ساخرا: هيّا.. انزلوا جميعا!
تذكّرنا هذه النكتة ونحن نتابع النقاشات والحوارات والتعليقات التي تصدر منذ قرابة ثلاثة أشهر بشأن ما يُسمّى “مرحلة ما بعد حماس” في غزة؛ إذ كثُرت المضاربات والتخمينات عمّن يحكم القطاع بعد نهاية الحرب، فاقترح بعضُهم إسنادَه إلى قوات دولية، واقترح طرفٌ ثان منحَه لمصر والأردن وتركيا وقوات عربية وإسلامية أخرى، وعرض طرفٌ عربي ثالث، عبر بعض أبواقه المأجورة، تسليمها له ليحوّلها إلى أبو ظبي ثانية، أي إلى ماخور كبير في إطار مكافحة “تطرّف” حماس والإخوان المسلمين، في حين بدأت السلطة الفلسطينية من جانبها تعرض “خدماتها” الثمينة، وأن تتولّى إدارة غزة في إطار مشروع سياسي يهدف إلى إقامة الدولة الفلسطينية على حدود 4 جوان 1967، فردّ رئيسُ وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، بأنّ السلطة لن تعود إلى غزة، وأنّ القطاع سيخضع لإدارة أمنية صهيونية مباشرة، في حين اقترح وزيرُ دفاع الاحتلال يوآف غالانت إسناده إلى إدارةٍ مدنية تتكوّن من عشائر فلسطينية عميلة، في استنساخٍ واضح لتجربة الاحتلال الأمريكي في العراق مع عشائر عراقية موالية له…
هذه النقاشاتُ جميعا كان يمكن فهمُها لو استطاع جيشُ الاحتلال حسم حرب غزة بالقوة، وسحقَ حماس وباقي فصائل المقاومة، وإعادة احتلال القطاع، أو لو كانت مجرياتُ الحرب تسيرُ إلى صالحه بشكلٍ واضح يصبح معه تحقيقُ النصر على حماس مسألة وقت فحسب، لكنّ الحاصل في الميدان أنّ الاحتلال يتعرّض لهزيمةٍ متدرِّجة ومحقّقة، وأنّه غرق فعلا في مستنقع غزة، ويتكبّد يوميا خسائر بشرية ومادية جسيمة، وتتعرّض دباباته وآلياته للتدمير وجنودُه للقتل والإصابات المختلفة؛ قرابة 900 دبَّابة وآلية دُمّرت إلى حدّ الساعة، ما يناهز خروج 3 فِرقٍ عسكرية من الخدمة، وهناك مئات القتلى ونحو 20 ألف جريح، منهم 3400 جندي أصيبوا بإعاقات دائمة والعدد مرشّحٌ للارتفاع خلال السنة الجديدة إلى نحو 12500 معاق حسب توقّعات وزارة الأمن، والاحتلال يسحب فرقةً من لواء غولاني ثم 5 ألوية عسكرية أخرى بحجّة “إعادة ترتيب صفوفه”، كما انسحب من شمال غزة كلّيا، وهذه كلُّها مؤشّراتُ هزيمةٍ تاريخية مُذلّة، وحتى وزراء الاحتلال، في المجلس الوزاري المصغّر، يعترفون بأن جيشهم لم يحقِّق أيَّ هدف من أهدافه في غزة بعد مرور ثلاثة أشهر كاملة من الحرب، وبأنّ حماس ما زالت تسيطر على غزة، وتحتفظ بقدُراتها، وتؤدِّي وظائفها.. فكيف يتحدّث الاحتلالُ إذن عن “مرحلة ما بعد حماس”؟!
حماس تربح الحرب الحالية، بل إنها كسبتها يوم 7 أكتوبر بغزوتها العظيمة التي دمّرت فيها “فرقة غزّة” وتركتها أثرا بعد عين، وما يحدث منذ ذلك اليوم إلى حدّ الساعة، هو تأكيدٌ لذلك النصر التاريخي المؤزَّر، وهي التي ستبقى في غزة وتحكمها بعد نهاية الحرب، ولن يحكمها أحدٌ غيرها إلا إذا جرت انتخاباتٌ فلسطينية شاملة وقرّر الشعبُ الفلسطيني غير ذلك، وهو أمرٌ مستبعَد بالنظر إلى تزايد شعبية الحركة خلال هذه الحرب حتى في الضفة الغربية، حسب تقارير أمريكية وصهيونية عديدة، وأيُّ حديث عن “مرحلة ما بعد حماس” هو مجرّد حربٍ نفسية يشنّها العدوُّ العاجز عن تحقيق أيّ انجاز ميداني في غزة بعد ثلاثة أشهر كاملة من الحرب.
والمؤسف أن تنخرط السلطة الفلسطينية في هذه النقاشات العقيمة وتعرض نفسها بديلا لحماس في غزة، وتتمنّى هزيمة الحركة لتدخل إلى القطاع على ظهور الدبابات الصهيونية وتحكمه، وهذا بدل أن تسعى إلى إيقاف الحرب، وإغاثة سكان غزة، وإدخال المساعدات إلى القطاع. إذا كان هناك بلاءٌ قد نزل على الفلسطينيين فهو وجود هذه السلطة الخانعة للاحتلال والتي تعتقد أنه يضحّي بجنوده ويدفع أثمانا باهظة في غزة ليعيدها إلى حكمها على ظهور دباباته ويمنحها “دولة” في القطاع والضفة الغربية على طبق من ذهب.
يقول مثلٌ عالمي معروف: “لا تبع جلد الدبّ قبل أن تصطاده”، وقد عرّض الصهاينة والسلطة الفلسطينية ودولٌ عربية مطبّعة نفسها للسُّخرية بعرض جلد الدب للبيع وهي تعلم يقينًا أنها عاجزة تمامًا عن صيده.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!