-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أوربَّا تسمّيه برباروسا!

الشروق أونلاين
  • 712
  • 0
أوربَّا تسمّيه برباروسا!
ح.م

أينما ظهر إلاّ وترك خلفه أثر الخراب على شواطئ أوربَّا إنه خيرالدّين بربروسا أعظم أمراء البحر لدى السُّلطان العثمانيّ، وخصم أسطول آل هابسبورغ اللّدود.

1 من يجرؤ ويقرب الشّاطئ

” لا أحد كان يجد الرّاحة في طعامه، أو يأوي الى فراشه آمنَا. الجميع كان يرتجف على طول الطّريق البحريّة بين مدينة مَسينَّة الايطاليّة بصقلّية ومضيق جبل طارق الاسبانيّ”.أوهكذا أَعوَل الاسباني سان دوفال سنة 1530م في خطابٍ الى الملك شارل الخامس عن الخوف الّذي كان يتملّك الأوربّيين من ريّاس البحرالمسلمين. فحتّى الأطفال في أزقّة القرى السّاحليّة كانوا يردّدون أغيّة الذّعروالخوف:” برباروسا! برباروسا يا ملك الأشرار!”. قبل أن ترسم أناملهم صورا رمزيّة للوحوش المخيفة التي تخرج من البحر. فلا يُستعصَ عليهم أن يحصروها في رجلٍ ذي رأسٍ غليظة. و وجهٍ عبوسٍ وغاضب، يعلو بداية منابت شعره عمامةٌ مكوّرة كبيرة. هذه هي صورة خيرالدّين في الأسطورة الجماعيّة الأوربّية تجمع بين الفظاظة والوحشيّة وبين المهارة الخارقة والقدرة الفائقة على الملاحة.فالنّتائج التي حقّقها خلال عشرسنوات من الغارات على شريط طوله 350كم بين برشلونة وبالنسيا تهتزّ لها الأنفس رهبَا. لقد ساق وحده أكثرمن 10.000 أوربّي الى الأسروالإستعباد.

بيد أنّ ما كان المرء يخشاه ويخافه في هذه الجهة من البحر المتوسّط، كان في الجهة الأخرى يُقدّر صاحبه ويُفتخربه. ففي اسطنبول كان يُرحّب بكلّ مقاتلٍ يقف في صفّ السّلطان سُليمان القانوني ضدّ خصمه اللّدود الملك شارل الخامس، وكذلك كان الأمرمع العِصاميّ الّذي أرسل اليه يبايعه من المغرب الأوسط ويُعلن دخول الجزائر تحت سلطانه.

تبدأ سيرة حياة خيرالدّين بزواج بسيط على جزيرة ليسبوس اليونانيّة بين جنديّ عثمانيّ مسلم هو يعقوب آغا وفتاة يونانية نصرانية أرثودكسيّة، كلّل بعددٍ من البنين أصغرهم خيرالدّين الّذي ولد سنة 1478م وسمّاه والده الخِضَر. تفرّغ منذ سنين شبابه الأولى للغزوفي البحرحتّى حصل على فيئٍ من الإغارة على شواطئ أوربّا واحتجازالسّفن التي كانت تعبربين شمال افريقيا وايطاليا واسبانيا.

واستعمل هو وأخوه جزيرة جربة على السّاحل التّونسي كقاعدة لإغاراتهما ثمّ توسّعا بسرعة الى باقي المدن المغاربيّة فاستوليا على مدينة الجزائرالسّاحليّة سنة 1516م وتوغّلا في الدّاخل الى غاية مدينة تلمسان، ممّا جلب عليهما غضب الإسبان.

وبينما لقي عرّوج حتفه في قتال الاسبان بتلمسان سنة1518تمكّن هو من مدينة الجزائروأحكم سيطرته عليها. وحتّى يحصل على دعمٍ سياسيّ لمغامرته هذه أعلن ولاءه للسُلطان العثمانيّ الّذي اعترف له بسيادته على الجزائر وأمدّه بالسّلاح وبعض الفرق العسكريّة الانكشارية. ثمّ لقّبه السّلطان سُليمان القانوني ب”خيرالدّين” واختارله الأوربّيون لقب “برباروسا” أي صاحب اللّحية الشّقراء.

2 سيّد في البحر وحده:

لم يتوقّف نشاط خيرالدّين عند الغارات على السّواحل الأوربيّة. ففي سنة 1533م تحوّل الى الحياة السّياسية بعد أن رقّاه السّلطان سُليمان القانوني الى كبيرأمراء البحرالمتوسّط وقائدًا عامّا للأسطول العثماني.فاتّجه الى مواجهة الأساطيل الاسبانيّة باسم الخليفة العثماني. وعمل ابتداءً من سنة1533م ودون كللٍ على إعادة بناء الأسطول العثماني وتجهيزه بمصنع السّفن بمرسى الترسانة العامرة بأسطنبول وعندما أتمّ البناء سنة 1534م تجمّع له أسطولٍ ضخم من القوادس استطاع أن يُنهي به هيمنة خصمه أندريا دوريَّا قائد أسطول آل هابس بورغ واسبانيا. وفي خضمّ المعارك وأوج انتصاراته أمّن خيرالدّين لسيادة الباب العالي على الجانب الغربيّ من البحرالمتوسّط لعقود. ورغم أنّه تخلّى عن تونس سنة 1535م لشارل الخامس ملك اسبانيا وهابسبورغ. إلاّ أنّه عاد وتوجّه بعد ثلاث سنوات من ذلك الى خليج بروزة أمام السّواحل اليونايّة وغيّر مسارالمعارك التي جرت هناك لصاحه. ففي 28 سيتمبرمن عام 1538م تمكّن وبخطّة ذكيّة منه أن يهزم أسطول “العصبة المقدّسة” المكوّن من سفن اسبانيا والبرتغال وجنوة والبندقيّة ومالطا والمدعوم من بابا الفاتيكان شرّ هزيمة وبأقلّ خسائرمن أرواح جنوده وسفنه. كتب المرّخ العثماني عن هذه المعركة فقال أنَّ أندريا دوريَّا: ” بلع لحيته وفرّ”.

في العقود التي تليت هذه المعركة استطاعت الدّولة العثمانيّة تأمين سيادتها على كامل بحر ايجة بعد أن تنازلت لها البندقيّة عن جميع مراكزها الدّفاعيّة والعمالياتيّة بالجزراليونانيّة.وفي سنة 1543م أحرزأميرالبحار نصرًا جديدًا على آل هابس بورغ بعد أن تحالف مع الملك الفرنسي فرانسوا1 واستحوذ على مدينة نيس التي كانت يومها جزءًا من دوقيّة سافوا لصالح فرنسا.

في السّنوات الأخيرة من حياته بلغت القوات العثمانية البحريّة ذروة مجدها وصارخيرالدّين يتحرّك في حوض المتوسّط مثلما يتحرّك المرء في حوضِ بيته، ولأنّه لم يعد يوقفه أو يقف أمامه أحد واصل خيرالدّين غاراته على السّواحل الأوربيّة فأغارعلى ألبا وايجيّة وعاد منهما بفيئٍ عظيم.

رغم حياة قضاها كلّها في الصّدامات والمعارك إلاَّ أنّ الأقدار شاءت لأمير البحارأن يموت موتةً طبيعيّة هادئة في فراشه وبقصره باسطنبول في الرّابع من جويلية سنة 1546م. وتكريمًا له بنى له الباب العالي ضريحا على مرفأ البوسفور يزوره البحّارة قبل أن ينطلقوا من القرن الذّهبي بالجانب الأوربّي من اسطنبول في مغامرة جديدة من أجل السُّلطان.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!