الرأي

أية وسطية هذه يا أباجرة؟

التهامي مجوري
  • 2502
  • 12
ح.م

قرأت ما نقله منتدى الشروق عن الأستاذ أبو جرة سلطاني، رئيس حركة حمس السابق، والوزير عن حركة حمس الأسبق، ورئيس منتدى الوسطية الحالي، أنه رفض الشيخ علي بلحاج في منتداه، بحجة أنه في وضع قانوني غير سوي، ورحب بالشيخ محمد علي فركوس السلفي المخالف لجمهور علماء الجزائر، ودعا الأستاذين الروائيين أمين الزاوي ورشيد بوجدرة..، اللذين لا يخفيان عداءهما للدين ومحاربتهما لقيمه، فتعجبت لهذه الموازين الأقيسة “الراشية”، وقلت في نفسي أهذه هي الوسطية التي سيعمل بها الشيخ أبو جرة في منتداه؟ والتي ستقصي آلافا من الشباب حتما، ليس لأنهم أتباع بلحاج ومحبيه، وإنما لأن الشباب الجديد يملك منطقا لا يعترف كثيرا بالأفكار المسبقة عن الأشخاص والأفكار؛ ولأن مثل الموازين والأقيسة غير سوية.
وبمنطق الأشياء وليس بمنطق القانون المسيس يمكن لأكل شخص أن يتساءل عن هذا الموقف الذي اتخذه سلطاني من علي بلحاج ومن الوسطية نفسها التي يتبناها هذا المنتدى.
أهذه هي وسطية الإسلام الذي يحدثنا عنه وبه الشيخ أبو جرة؟ أهذه هي وسطية منتدى الوسطية بالأردن والكويت؟ أللذين أظن أن منتدى سلطاني امتداد لهما بفكره العالمي وليس بتنظيمه الوطني.
لا شك أن كل تنظيم ليكون له ثقل وطني وإنساني، وبعد ثقافي حضاري، وصدقية مثمرة، لا بد له من أن يكون مؤسسة جامعة، فيعمل على امتصاص اكبر قدر ممكن من الإطارات الفاعلة متنوعة المشارب والاتجاهات، ولكن بكل تأكيد لا تكون بهذه الصفة الإقصائية، التي أقل ما يقال عنها أنها متحيزة وضد قيم الاهتمام بالشأن العام، والشيخ علي بلحاج داعية وسياسي وله رأي فيما يجري في البلاد وفي العالم، وأسوأ ما يمكن أن يوصف به هو حدة مواقفه، أما ما يقوله في مجالسه الخاصة العامة يقوله كل الناس، بمن في ذلك من هم داخل السلطة نفسها، لا سيما عندما يحتدم صراع الأجنحة.
صحيح أن هذه الحدة التي يتبناها بلحاج مرفوضة عند البعض في النضال السياسي، ولكنها حدة –في شخص علي بلخاج بشهادة كل من يعرفه- تحمل في طياتها نفس المقدار من الصدق والوفاء لما يؤمن به.
لماذا يرفض علي بلحاج؟ ألأنه معارض ويسب ويجرِّح في النظام والأفراد والمؤسسات؟ أم لأنه يحمل في نفسه خطابا متطرفا لا يليق بالمنتدى؟ أم أنه مجرم حوكم وسجن “ويستاهل” التضييق عليه؟
إن السياسة فيها الكثير الذي يعرفه الشيخ سلطاني وغيره، فالكثير من السياسيين خرج عن قانون السلطة في البلاد لعشرات السنين، وعادوا زعماء تتعامل معهم السلطة وتستعين بهم وكأن شيئا لم يكن.. فالشيخ نحناح، وحسين آيت أحمد، ولويزة حنون وسعيد سعدي، وعبد الله جاب الله، ومحمد بوضياف، وأحمد بن بلة، هؤلاء كلهم كانوا من ضحايا النظام ذات يوم، بين سجين ومنفي..، ولكنهم تحولوا إلى منافسين رئيسيين في الحلبة السياسية ورؤساء وبرلمانيين وموالين ومعارضين…، وإذا كانت السلطة لا تعترف بهذا لعلي بلحاج؛ لأن الوقت لم يحن بعد، فليس من حق الشيخ سلطاني حرمان الرجل من حق ضمنه له الله ورحمته منه –ضرفيا- السلطة.
ومهما تكن الإجابة عما يمكن أن يكون عليه علي بلحاج، وحتى لو اعتبرناه على غير هدى، كان لا بد من أن يرحب به ويهذب ما فيه من خلل، ويصوب ما عنده من شذوذ.. وإلا لماذا يدعى فركوس للحوار والنقاش رجاء الوصول معه إلى أمر مفيد؟ وقد خالف جمهور الأمة في مسائل فقهية وعقدية..، وفي المقابل يرحب بالزاوي الذي استهزأ بدين الله والمتدينين عموما، وببوجدرة الذي لم يخف إلحاده في يوم من الأيام، ولا يرحب بعلي بلحاج الذي لا يشك أحد في صدقه وفي إخلاصه وتفانيه، من قِبَل خصومه قبل المحيطين به.
قد يكون للشيخ سلطاني موقف من ماضي الرجل الحزبي وموقف السلطة منه، وهذا حقه المشروع وهو خيار محترم، ولكن أن يعلن هذا الموقف وكأن ما يواجهه بلحاج من تضييق وإجحاف حق وقانوني ومشروع، فذلك موقف ولا أظن المنتدى الذي تكلم عنه بأهدافه التي أعلن عنها يقبل مثل هذا التحيز الفاضح.
تمنيت لو أن سلطاني ذكر الشيخ علي بلحاج بما عليه من تحفظات فقط.. واعتذر عن قبوله عضوا في منتداه… وأنا أعلم أن بلحاج نفسه، لا يرضى بالانتماء لجهة يرى أنه يسبب لها مشاكلا.
لا سيما والشيخ سلطاني “كرجل دولة” يعرف أن علي بلحاج غير الذي ذكره في منتدى الشروق، من أنه في وضع غير قانون، ويعرف جيدا أن الموقف منه موقف سياسي، وهنا لا يعنيني مدى صحة وصدق هذا الموقف، بقدر ما يعنيني أن الموقف السياسي غير المواقف المبدئية والمواقف الشرعية. فالسياسة بشكلها الممارس اليوم في معظمها لا تحمل قيما أخلاقية محترمة، وقد ترك لنا بن نبي رحمه مصطلحا معبرا عن حقيقتها وهو مصطلح “البوليتيك”.
كان يمكن لسلطاني أن يعلن عن ترحيبه بكل من يريد الالتحاق به، كما قال الرئيس بوتفليقة في بداية عهده أن الجزائر تسع الجميع “من ميني جيب خليدة مسعودي إلى قميص علي بلخاج”، وعندما يتقدم الناس للإنخراط ينظر في حالات الناس حالة بحالة.. أما موقف كهذا وبهذه الصفة فغير مقبول، لا منطقا ولا سياسة ولا دينا ولا أخلاقا.. ؛ لأنه موقف إقصائي، ومن ثم تصبح الوسطية التي يزعمها المنتدى وسطية متحيزة لا قيمة لها تضاف للمجتمع الجزائري.
وأنا أكتب هذه الكلمة تذكرت كلمة للمفكر السوري الأستاذ جودت سعيد عندما كان يحدثني عن تجربته الفكرية قال “إن أفكاري أخاف عليها من الإسلاميين أكثر من غيرهم، وأخاف على نفسي منهم؛ لأنهم سيقتلونني في سبيل الله”، والشيخ سلطاني يقصي علي بلحاج باسم القانون.

مقالات ذات صلة