-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“إذا لم تستح فاصنع ما شئت”

“إذا لم تستح فاصنع ما شئت”

أسمع كل يوم عن الفساد المالي، من اختلاس ورشوة وتحويل أموال بطرق غير مشروعة، وأسمع كل يوم عن الفساد السياسي من تزوير ومحسوبية وجهوية وولاءات مشبوهة، إلا أنني لا أسمع إلا نادرا عن الفساد الأخلاقي بالرغم من أنه هو أصل البلاء. يسأل الناس عن مصدر ثروة الناس، ويسألون عن سر تبوإ هذه المكانة أو تلك، ولكنهم نادرا ما يسألون عن دور الفساد الأخلاقي في تحقيق هذا وذاك.

إن نهب المال العام وسيادة توافه القوم وجميع مظاهر الفساد الأخرى إنما أصلها في الفساد الأخلاقي. وإذا أردنا أن نطرح مشكلة الفساد في البلاد ينبغي بالأساس أن نطرح مسألة أخلقة الحياة العامة والحياة السياسية بالدرجة الأولى، بل ونطرح مسألة كيف نعيد للقيم العليا مكانتها في المجتمع.

لقد حاوَلَتْ عدة مقاربات للإصلاح تناول الموضوع من زاويته القانونية أو السياسية ولكنها فشلت إلى حد الآن لأن الذين أوكل لهم الأمر في هذا الجانب لم يمروا عبر مصفاة القيم الأخلاقية، وبذلك كانت النتيجة التي يعرفها الجميع تحالف المُفسد مع من أراد أن يصلح الفساد.

كما حاولت مقاربات أخرى أن تجد حلا للفساد السياسي من خلال الشرعية الانتخابية، وفشلت في ذلك لأن القاعدة الأخلاقية استمرت على حالها، وساد منطق الفساد الأخلاقي على بقية أشكال المنطق الأخرى وهذا لسببين على الأقل:

1ـ فقدان بوصلة “القيم السياسية” الطبيعية لدينا، خلال العقدين السابقين والنزول بالعملية السياسية في بعض الأحيان إلى مادون المبادئ الأولى للأخلاق.

2ـ  تحطيم أهم القيم الأخلاقية المرتبطة بتراثنا التاريخي والحضاري وأدبيات حركتنا الوطنية القائمة على الولاء للفكرة وحب الوطن، ونبذ النعرات الجهوية والقبلية، والتضحية والإخلاص في العمل ونكران الذات والجدية والكفاءة والمثابرة واحترام القانون، واحترام حقوق الإنسان والحريات… الخ… باسم الولاء الأعمى للأشخاص والوفاء حتى لأخطائهم.

وعليه فإننا الآن نعيش في مرحلة ينبغي أن يكون عنوانها أخلقة الحياة السياسية أولا، إذا أردنا بالفعل أن يكون لدينا أمل في الإصلاح على المدى البعيد… وهذا لن يتم إلا انطلاقا من مبدأين:

ـ اعتبار عدم الالتزام بالأخلاق الإسلامية وآداب المجتمع منافيا لتولي المناصب العامة، ويقضي بالتنحي عنها فورا.

ـ الكشف الفوري عبر وسائل الإعلام الثقيلة والمكتوبة عن كل الممارسات غير الأخلاقية التي يقوم بها من يتولون مناصب عامة، ومتابعة سير عملية العقاب القانونية بشكل واضح وصريح.

من غير هذا لن نصل يوما إلى القضاء على الفساد المالي والسياسي ولن ندرك من كلام النبوة الأولى: “إذا لم تستح فاصنع ما شئت”.

  

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!