إصلاحات “القافلة تسير والكلاب تنبح”
فيما تسابق بعض البلدان والأنظمة العربية الزمن لإنجاز الإصلاحات السياسية التي تجنبها الانهيار أو الوقوع في براثن الثورات والفوضى وأخطار السقوط والرحيل، لاتزال السلطة في الجزائر تأخذ كل وقتها وتنام على إصلاحاتها التي بادرت بها بنفسها وكأنها في مأمن من الرياح والعواصف التي تهب على البلدان العربية الواحد تلو الآخر وأصبحت لا توفر حتى بعض البلدان الأوربية ودولة اسرائيل ذاتها التي التحقت مؤخرا بالركب.
-
فعلى الرغم من مرور عدة شهور على الإعلان عن بعض الإصلاحات المحتشمة والمزعومة من قبل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وانتهاء الأشغال الماراطونية لآلية السيد عبد القادر بن صالح وعلى الرغم من عدم جدية هذه الآلية وهشاشة أعمالها وسيرها والقضايا السطحية التي تناولها والتي لا تمت بصلة تقريبا لعمق الأزمة المتعددة الأبعاد التي تعيشها الجزائر، فإن السلطات لاتزال تقابل التساؤلات التي يطرحها الجزائريون حول مصير هذه الإصلاحات بالصمت المطلق والمطبق وبالكثير من التحدي، حيث عوض الإجابة عن هذه التساؤلات والخروج إلى العلن بما تقرر أو سيتقرر، عاد الرئيس بوتفيلقة مع بداية شهر رمضان الحالي إلى السنة التي سنها منذ مجيئة إلى الرئاسة وهي جلسات الاستماع الرمضانية التي يعقدها للوزراء وكبار المسؤولين وفيها تتخذ القرارات السرية على انفراد وتأخذ طريقها إلى التنفيذ بعيدا عن أي شفافية وخارج مجالس الوزراء والحكومة وفي غفلة من البرلمان الذي يقال انه منتخب من طرف الشعب. إنه دليل آخر أن النظام الجزائري ماض أكثر من أي وقت مضى في انتهاج سياسة “القافلة تسير والكلاب تنبح” التي ينتهجها منذ عقود من الزمن، خاصة في ظل ساحة سياسية فارغة إلا من الانتهازيين والأذناب والمتواطئين والمتآمرين وبطانات السوء إلى درجة أصبح النظام يبدو وكأنه لم يعد في حاجة حتى إلى ممارسة الحيل كتلك التي تتعلق باتخاذ القرارات على أساس أنها إجماع وطني تم في مشاورات كتلك التي أجراها بن صالح مع من هب ودب.
- يحدث هذا في الوقت الذي أصبحت الإصلاحات ضرورة ملحة ليس من أجل سواد عيون الشعب أو حبا فيه أوفي حقوقه المهضومة، ولكن من أجل إنقاذ النظام ذاته وإيجاد شرعية له ولو مؤقتة لتثبيت أرجله، خاصة أمام ما يتعرض له في إطار استغلال الثورات الشعبية وتحديدا الثورة في ليبيا التي أصبحت ذريعة لكل التهم الخطيرة وممارسة التجسس على أوسع نطاق لصالح قوى أخرى تريد الإطاحة به ولو في إطار غير ثوري، وربما هذا ما يفسر كثافة حملات الجوسسة والاستعلامات التي تمارسها فرنسا على سبيل المثال، خاصة على الحدود الشرقية باستعمال ثوار ليبيا أو من يلبس لباسهم.