الرأي

إلا عودة الأقدام السوداء!

رشيد ولد بوسيافة
  • 1690
  • 5

قبل أيام ساد نقاشٌ غريب عن قضية المعمرين الأوروبيين في الجزائر الذين غادروا البلاد بعد الاستقلال خوفا من انتقام الجزائريين، بعد التّصريحات الصادرة عن الوزير الأول أحمد أويحيى في فرنسا حول إمكانية مساهمة هؤلاء في دخول الصادرات الجزائرية إلى أوروبا، وهو تصريحٌ غريب كذلك فُهم في سياق التّمهيد للقبول بفكرة التّعاون مع الأقدام السوداء الذين استخدمهم الاستعمار على مدار 132 سنة في نهب أملاك الجزائريين والاعتداء عليهم وتحويلهم إلى شعب مستعبَد وفقير.

هذا التّوجه الخطير في تجاوز حقائق التاريخ، لا يمكن السكوت عنه، لأنه مقدمة لعودة الأقدام السوداء، والاعتراف بحقهم في الأملاك التي كانت بحوزتهم أثناء الاستعمار، وهم الذين لا يدّخرون جهدا في المطالبة بذلك عبر العديد من الجمعيات التي انتظموا فيها، والتي تضغط لاستعادة الجنّة الضائعة التي تركوها غداة الاستقلال، ويستندون في ذلك إلى اتفاقيات “إيفيان” التي نصّت على بقاء المعمرين في الجزائر، والاحتفاظ بأملاكهم المنهوبة من الجزائريين في الأصل!

وكتب التّاريخ تروي الطريقة الهمجية التي انتزعت بها أملاك الجزائريين وأعطيت للمعمرين، ومثال ذلك ما يورده حمدان بن عثمان خوجة وهو الذي عاصر تلك المرحلة في كتابه “المرآة” حيث يقول “كانوا يتسابقون لاختيار أجمل الحدائق، والمساكن الأكثر ملاءمة، ينتصبون فيها سادة لا ينازعهم منازع، ولم يعد المالكون قادرين على الدخول إلى ممتلكاتهم”، ويقول في موضع آخر مخاطبا الفرنسيين “إنكم تعطون الملايين لليونانيين وللبولونيين، وتُنجدون تلك الشعوب بأموال الجزائريين، وإنّ التاريخ سيسجل كل هذه الأعمال الشريرة”، ودار التاريخ دورته ولاذ المعمرون بالفرار من غضب الجزائريين.

وعليه، فإن عودة الأقدام السوداء من الباب الواسع بعد أن خرجوا من النافذة الضيّقة لا يمكن قبوله، ولا يمكن أن تُقبل مساهمة من هؤلاء المرتزقة الذين جنَّدهم الاستعمار، وأغراهم بالمجيء إلى أرض ليست أرضهم، حيث وصلوا حفاة عراة، وفي مدة زمنية قصيرة أصبحوا من كبار الملاك والإقطاعيين الذين يستعبدون الجزائريين في الحقول والمصانع، ولا يمكن أن يأتي الخير من هؤلاء ولو من باب تشجيع الصادرات الجزائرية نحو أوروبا.

إنّ المعمرين لا ينظرون إلى الجزائر إلا في صورة ذلك الكنز الضائع الذي كان بين أيديهم ذات يوم بغير وجه حق، وهم الآن يستخدمون كل الطرق والأساليب لاستعادة جزءٍ منه، كاستغلال الثغرات في القانون، والقيام بصفقات بيع مشبوهة، تفجّر نزاعات قضائية لا تنتهي في المحاكم الجزائرية، ولا يمكن التعويل على هؤلاء في الترويج أو المساعدة على دخول السلع الجزائرية إلى أوروبا، لأن ذلك لا يمثل إغراءً كافيا لهم.

مقالات ذات صلة