-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
أقواس

إلى السيدة التي هزمت فاروق حسني

أمين الزاوي
  • 21255
  • 10
إلى السيدة التي هزمت فاروق حسني

سيدتي إيرينا بوكوفا المديرة العامة لليونسكو ( منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة(، أولا أهنئك، وإن كان ذلك متأخرا، أهنئك على توليك رئاسة هذه المؤسسة الموقرة وأعترف لك ولمن ناصرك بالذكاء وحسن المناورة التي “بَهْدَلتِ” العربَ فيها جميعا ومعهم المسلمين بطوائفهم ومللهم الصغيرة والكبيرة، القريبة والبعيدة: سنة وشيعة ودروزا ، وبمذاهبهم: المالكية والحنفية والشافعية والحنبلية وغيرها…

  • فلعلمك الخاص، ولا أعلمك شيئا فأنت أدرى بحالنا، إن العرب والمسلمين لا يتفقون على واحد ولا يتوحدون على أمر إلا حين يدركون بأنهم منهزمون، وحدها الهزيمة تجمعهم. أعترف لك سيدتي المديرة العامة لليونسكو  بأنك هزمتنا جميعا عربا ومسلمين و بربرا و دروزا وأقباطا وسريانا وعبدة الشيطان، فهنيئا لك، هزمتنا  لأن هزيمتنا كانت تسكن أساسا في اختيارنا، إننا قدمنا ودعمنا للتنافس معك على منصب اليونسكو شخصية ما كان لنا أن نقدمها، والمتمثلة في شخصية الفنان ووزير الثقافة المصري السيد فاروق حسني. كنت متأكدا أن اتفاقنا هذا، ليس مبنيا على الانتصار إنما هو اتفاق على الهزيمة. أحزنني كمثقف جزائري كثيرا مصير المثقف والوزير محمد بجاوي الذي ضحت به الجزائر من أجل مرشح مصر، وللتذكير فمحمد بجاوي رجل قانون وشعر وفن ورقة وحضارة، مثقف يعرف الأساطير اليونانية ويعشق الشعر العالمي والرواية كما يعرف أعقد القوانين الدولية، وهو الذي تولى منصب رئيس المحكمة الدولية بلاهاي. كانت لي فرصة مرة أن اجتمعت على عشاء بالرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك بمعية بعض الأصدقاء من المثقفين، وطلب منا السفير الفرنسي صاحب الدعوة، أن يقدم كل منا نفسه لفخامة الرئيس شيراك الذي كان مصحوبا بزوجته السيدة برناديت، وحين وصل الدور إلى السيد الوزير محمد بجاوي، قاطع شيراك الجلسة قائلا: “محمد بجاوي أستاذي، محمد بجاوي معلمي، إنه في غنى عن أي تقديم.”
  •  كان ذلك بالنسبة لي شهادة اعتراف من رئيس دولة تجاه مثقف ورجل دولة جزائري. ومع ذلك فالجزائر ضحت بابنها محمد بجاوي لصالح المرشح فاروق حسني، وأنا متأكد بأن ترشيح بجاوي كان بإمكانه أن يكون في جهة التفوق لو أن الجزائر اشتغلت بنوع من الأنانية السياسية.
  • ولكن سيدتي.. أنا اليوم لا أكتب لك لأذكّرك بمعارك عربية خاسرة أساسا، وخاصة حين تقودها مصر اليوم، لكني أريد أن أكتب لك لأحكي لك حكاية دشرة من دشور بلادي، أطالب  بتسجيلها ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي. وأنا متأكد أنك حين تقرئين هذه الرسالة ستقتنعين بما اقتنعت به شخصيا.
  • والدشرة هذه، التي أنبه هيئتك الموقرة إلى خصوصيتها الخاصة، اسمها دشرة بوعدال، توجد في ولاية تلمسان بالجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، وبالضبط توجد على بعد عشر كيلومترات أو أقل من باب العسة مقر الدائرة الإدارية. هي دشرة يا سيدتي توجد في الخلاء عند سفح جبل عظيم اسمه جبل زندل، أعرف أنك لا تعرفين لا زندل ولا تلمسان ولا باب العسة ولا امسيردا اتحاتة ولا امسيردا الفاقة، ولكني متأكد أنك وإن كنت لا تعرفين هذه الأماكن التي مر من عليها ابن خلدون، وعنها كتب بعض الصفحات في مقدمته الشهيرة التي بها سبق دوركهايم في تأسيس علم الاجتماع العمراني، وأيضا عنها كتب ابن بطوطة في رحلته العظيمة التي تحول هذه الأيام إلى فيلم أمريكي هوليودي ضخم، وابن سكيرج هو الآخر كتب عنها و غيرهم، أعرف أنك لا تعرفين ولو القليل عن هذه الأسماء الصعب حفظها، صحيح يا سيدتي المديرة العامة لليونسكو  نحن العرب والبربر لنا أسماء صعبة، ثقيل عليكم حفظها، ثقيلة كدمنا الثقيل، فتحملي رسالتي وتحملي هذا الكلام المليء بالصدق المزعج، واسمعيني سيدتي حتى نهاية الحكاية، فأنا من أحفاد شهرزاد مدلوقة اللسان بشهوة الحكاية المناهضة للموت، اسمعي حكاية هذه الدشرة التي ليس لها لسان، فلسان الأماكن من لسان ساكنيها، ولسان أهلها مبتور من لغاليغه، وساكنتها يا سيدتي الأنيقة لا يعرفون الفرنسية التي تعرفينها أنت رغم النبرة التي تميز حديثك وتزيدك إثارة، وهم لا يعرفون الإنجليزية كما تعرفينها لأنهم لا يأكلون الهامبورغر، و لم يسمعوا بشيء يسمى الماكدونالد، هم ناس بسطاء يعرفون لغة وحيدة هي لهجتهم المسيردية الدافئة التي هي خليط من العربية والبربرية.
  • مع ذلك أنا متأكد بأنني سأقنعك بأن هذه الدشرة تستحق أن تسجل في قائمة التراث الإنساني المحفوظ، كما كنت متيقنا بأن محمد بجاوي هو الأصلح في العرب والبربر لمنصب المدير العام لليونسكو، أنت أيضا يا “خصمة” فاروق حسني كنت تعرفين ذلك، ربما.
  • ودشرة بوعدال هذه التي أحكي لك قصتها يا سيدتي لا يتجاوز عدد سكانها بعض المئات، وهم جميعهم يكونون أسرة واحدة، دما واحدا، من الإخوة والأعمام والأخوال، يحملون نفس الاسم، اسما واحدا، هو اسم جدهم الأول، يتزاوجون فيما بينهم، دمهم يدور بينهم، لأن لا أحد من ساكنة الدشور المجاورة أو البعيدة يجرأ على مصاهرتهم، لسبب واحد،سيدتي، لأنهم جميعهم اتخذوا من الموسيقى دينا أو ما يشبه الدين لهم، وأهل “الفن” و”المغنى” والموسيقى، عندنا في هذه الأيام، يتم تصنيفهم ضمن جماعة الشيطان، والموسيقى عندنا يا سيدتي تم توسيخها وشوهت صورتها.
  • جميع سكان قرية بوعدال خلقوا في الموسيقى وللموسيقى ومنها، الرجال مثل النساء، الصغار مثل الكبار، يولدون في الموسيقى وينامون ويكبرون ويموتون في الموسيقى. لا شيء غير الموسيقى. ومن قرية بوعدال هذه خرجت أكبر فرقة فلكلورية جزائرية اسمها “العرفاء” والتي مثلت بلادي في أكبر التظاهرات الثقافية الفلكلورية الدولية في الشرق والغرب.
  • وقد وصل الشغف بالموسيقى بأهل بوعدال إلى أن حولوها إلى ما يشبه الدين.  فالموسيقى بقيمها الرفيعة حين تسمو وتتحول إلى دين أو ما يشبه ذلك، فإنها تقضي على كل تعصب وتحارب كل تطرف أو عنف.
  • ولأني من أحفاد شهرزاد، سأسمعك يا سيدتي المديرة العامة لليونسكو هذه الحكاية، مع أننا نحن في الجزائر نقول: “من يحك في النهار يولد له أطفال قرع صلع” ومع ذلك سأحكي لك في النهار، حكاية غريبة عن واحد من ساكنة هذه الدشرة المهمشة، وقد اختلط على هذه الدشرة ليلها بنهارها..
  • كان هناك شيخ من ساكنة قرية بوعدال، اسمه موح البكاي، وهو عازفها الأكبر، حين بلغ به العمر عتيا، قرر الذهاب إلى الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج، والحج عندنا يا سيدتي هو الركن الخامس من أركان الدين الإسلامي. وإذ أدى موح البكاي فريضته عاد إلى دشرته بوعدال، فوجد أهلها في حياتهم كعادتهم، التي هي من الموسيقى والفرح، ولأنه أصبح حاجا فقد وجد من الصعوبة بمكان العودة إلى ممارسة الموسيقى، وهو الذي كان أكبر عازف في الدشرة وفي الأنحاء.
  • استطاع الشيخ العازف أن يمسك عن الموسيقى بعضا من الوقت، بضع شهور ربما، ولكن جنون الموسيقى عاوده فكبته في الأول، وعاوده فكبته في المرة الثانية، وفي المرة الثالثة أخرج مزماره وبدأ يلامسه، يربت عليه بحنان ولطف، دون أن يتجرأ على العزف، يناجيه ويبكي له أو عليه، وفي المرة الرابعة، وقد انهار أمام عاصفة رغبة الموسيقى المتفجرة في دمه، وضع مزماره تحت جناح جلبابه ثم خرج من الدشرة، ابتعد عنها بعض الكيلومترات، جلس فوق صخرة كبيرة على قمة جبل زندل العجيب، نظر إلى السماء، كأنما يخاطب ربه الذي ذهب لملاقاته تحت أقواس الحرم المكي الشريف، نظر أسفل إلى زرقة البحر، ثم أخرج مزماره و بدأ في العزف العظيم. عزف ما بقي من النهار، عزف هذه المرة للطيور وللسماء وللغيوم وللبحر، وحين سقط النهار عاد إلى دشرة بوعدال، عاد في أبهى ما يكون عليه الإنسان الفرح.
  • و منذ ذاك اليوم كان كلما اشتد به الحنين، وعصفت به عاصفة الموسيقى، أخفى مزماره تحت جناح جلبابه الأبيض، ثم صعد جبل زندل قابل البحر في الأسفل والسماء في الفوق وعزف وعزف وعزف.
  • شكرا لك يا سيدتي إيرينا بوكوفا، أيتها المديرة العامة لليونسكو على استماعك لهذه الحكاية ولكني أقول: “ألا تستحق هذه الدشرة الاستثنائية أن تكون في قائمة التراث الإنساني المحمي..؟ وحماك الله من شر حاسد إذا حسد.”    
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
10
  • مصرى

    نحن مسلمون
    ومنا اقباط
    ومادخل عبد الشطيان فى هذا هل انت منهم
    واما البربرا و دروزا وسريانا هل هذه ديانة
    ولكن لافرق بين مسلم ومسيحى (البربرا و دروزا وسريانا )
    اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
    ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون

  • ayman

    جزاك الله خيرا انك تذكرني بالسيرة النبوية عندما سأل كفار قريش اليهود أنتم على الحق ام محمد وأتباعه ودينه قال لهم اليهود بل أنتم على الحق .
    طبعا مع فارق التشبيه

  • ama

    مقدرش اقول ان اللي بتقوله ده من واحد عربي لان العرب اجمع رشحه الوزير الفنان فاروق حسني وكفايه حقد

  • عمر

    اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
    ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون
    يا سي لمين
    سنقف جميعا امام الله تعالى يوما ما وحينها ستبلى السرائر
    يا سي لمين
    يوم تجد كل نفس ما عمات من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو ان بينها وبينه امدا بعيدا .
    تيقن يا لمين
    ان القذف المبطن بزعم الانتماء الى المقذوف فيه حتى تبدو كانك تمارس النقذ الذاتي لا تنطلي حيلته على اي عاقل
    يا سي لمين
    مسلمون يا سي لمين وفينا فرق وملل ونحل وليس غريب
    مسلمون ولكن فينا الحق والهدى والعزة ولو لم يكن فينا شخص كذلك المهم سيكون حتما.
    يا سي لمين
    ان الله متم نوره ولوكره من كره.
    يا سي لمين اما آن ان تبلع هرقطاتك المفضوحة وتعود الى رشدك .
    هيهات منا الذلة
    ليس الموضوع بالذي يثير اصلا لانه اتفه من ان يهتم بمثله .
    يا سي لمين
    اما ان تتخذ من السفالة والضحالة والسماجة حصانا ابترا للطعن المبطن في المسلمين فذلك ما يثير .
    يا سي لمين
    مرماك واضح ولا يصيب في مقتل
    هدفك اوضح ولا غرابة في مرارة الحنضل .
    لكن يا لمين كل جزائري يشم من كتاباتك رائحة ما
    بالطبع ليست بالزكية ولكنها ك.............................
    يا اهل جريدة الشروق تمعنوا في كتابات الرجل تمعنوا يا اخوان اتحت مسمى الفن تنشرون العغن.

  • Fraigo

    السيد فاروق حسني رشح من قبل كل الدول العربية بما فيها الجزائر و قد خسر بشرف بعد ثلاث جولات بفارق صوت واحد وهو حدث غير مسبوق في تاريخ اليونسكو.
    ولكن ما هى العلاقة بين دشور بلادك وترشيحة لرئاسة اليونسكو؟

  • wassim-alger

    Vraiment,n'importe quoi,une vraie indigence intellectuelle

  • أحمد

    ما هدا الهراء؟
    أ بــ" الزامر و البندير" تبنى الأمم ؟

  • معصيم يماني

    لقد صدقت يا دكتور قرية بوعدال بامسير دة فعلا هي مهدالحضارة والثقافة و التاريخ.تنتظر فقط من ينفض عنها غبارالنسيان والتهميش ولعل ر واسي زندل و تارسموت وشاطئ البحيرة باولاد بن عايد تشهد على الثقافة الموروثة ابن عن جد.

  • المسيردي

    ياك آ السي أمين حنا نقولوا بلي " العريف ما ينساش هز كتافو ".

  • طارق

    كان خطأ ترشيح فاروق حسني ولكن كلامك الآن ليس إلا حقداً وحسداً كان أولى أن تتمسك برأيك أو تكتب ماكتبته بعد فوزها مباشرة لكن الآن شهادتك مجروحة وقصدك غير شريف