-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إيثار ضيف رسول الله

خير الدين هني
  • 348
  • 0
إيثار ضيف رسول الله

مناسبة نزول آية التنويه بالإيثار، أن أحد الأنصار أخذ ضيف رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ليضيفه، وقد آثره على أهله وأولاده الجوعى، وعندما وضع طعام أبنائه القليل أمام ضيفه، أطفأت زوجه السراج متظاهرة بإصلاحه، وأخذا في تحريك ملعقتيهما في آنية الطعام، ليوهما الضيف بأنهما يأكلان معه، حتى لا يتحرّج من التهام الطعام كله، فيما لو كان يأكل وحده والسراج منير.

وهذا الإيثار الذي أشاد به الحق سبحانه، إنما هو نتاج التوجيه السليم والتربية النبوية الصحيحة لأصحابه، طوال مدة التبليغ وسنوات الهجرة، وكان من نتائج هذه التربية والتوجيه أن نقل أصحابه من حالة التيه والجهالة والعداوة والبغضاء والشحناء والاقتتال بينهم، على نحو ما كان ذائعا قبل هجرته (عليه الصّلاة والسّلام)، بين قبيلتي الأوس والخزرج، اللتين كان القتال بينهما محتدِما لعقود من الزمن، بسبب العداوة الشديدة التي زاد من تغذيتها وتأجيجها، دسيسة اليهود ووشايتهم والسعي بالنميمة والكذب والافتراء للإيقاع بين أبناء العمومة من القبيلتين.

قال تعالى، في الآية 103 من سورة آل عمران: ((وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا))، فهدي القرآن الكريم بتعاليمه الهادية، والتربية النبوية بتوجيهها الراشد، هما من جعل الصحابة بمهاجريهم وأنصارهم إخوانا متراحمين متعاطفين فيما بينهم، بعد أن نزع الله -تعالى- من قلوبهم دواعي الشقاق والنفاق والحقد والكراهية والغلو، فأصبحوا نماذج بشرية خلقوا خلقا جديدا، وحملوا هذه التربية معهم إلى البلدان التي فتحوها، بأخلاقهم العالية وأعمالهم الفاضلة، فكانوا بحقٍّ خير أمة أخرجت للناس.

نصل إلى نتيجة محقّقة، وهي أن ملازمة التربية الصحيحة، هي ما يُنمِّي في النفس الإنسانية نوازع الخير وحسن الاستقامة في الدين والخلق، وبما أن البشر مركبين تركيبا مزدوِجا من الخير والشر، فإن هاتين القوتين المتضادتين تتنازعان في الذات الإنسانية، والغلبة بينهما تكون لمن كانت نفسه نَزّاعة إلى الخير أو إلى الشر، أي: بحسب ما يغلب على جينوميته، فمن كانت تركيبته الجينومية خيِّرة بالوراثة والتربية الحسنة التي تلقاها في بيئته، غلبت عليه نوازع الخير والإحسان وحسن الاستقامة، ومن كانت فطرة جينوميته سيئة، وتربيته منعدمة غلبت عليه نوازع الشر والعدوان والتنكر للمعروف والجميل.

والصالحون من الناس الأتقياء الورعون المتواضعون، ممن يحبون الناس ويتودّدون إليهم ويسعون في خدمتهم ونفعهم، إنما وصلوا إلى هذه المنزلة الرفيعة المقرّبة إلى الله تعالى، من حسن التربية والتزكية والورع، بمغالبة النفس وجهادها وحملها على ما تكره، وقد جاهدوا أنفسهم سنوات وسنوات من أجل بلوغ هذه المرتبة العظيمة، ولم يطلقوا لأنفسهم اتباع سبل الغيّ والزيغ والهوى، حتى إذا شبّت على ذلك صعُب قيادها وردّها إلى طريق الاستقامة، لأن المعروف في علوم التربية والنفس أن التربية تسبق العادة، فإذا تعوّد الفرد  على ممارسة أخلاق سيئة، يصعب عليه تعديل ذلك السلوك وتقويمه نحو الأحسن والأفضل، إلا بجهد كبير لا يقدر عليه  إلا أصحاب الشخصيات القوية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!