ابعثوا بجيوشهم أنتم إلى سوريا
إذا نجحت روسيا في استبعاد خطر الضربة الأمريكية لحليفها السوري نهائياً، وفرضت حلا سلمياً للأزمة يقوم على ما سيسفر عنه مؤتمر “جنيف 2” في الأشهر القادمة، فسيكون ذلك من أشد الضربات إيلاماً للمعارضة السورية ولأعراب أمريكا معاً.
لقد ظلت هذه المعارضة ومعها الأعراب الذين يدعِّمونها بالمال والسلاح والدبلوماسية والحملات الإعلامية التحريضية والشحن الطائفي.. يدعون دون خجل إلى ضرب سوريا وتدمير قدراتها بهدف تمهيد الطريق للمعارضة للإطاحة بالنظام وتكرار السيناريو الليبي، وبلغ الأمر بـ”الجيش الحر” إلى درجة أنه قدّم لأمريكا قائمة بالأهداف التي يريد منها تدميرها، دون أن يشعر بأن ما يفعله نذالة وخيانة لا تُغتفر، وأنه أفضل خدمة يقدِّمها لبشار ولبقاء نظامه في الحكم، لاسيما وأن التجارب أثبتت أن الشعوب العربية قد تقبل بالحكم الاستبدادي وتصبر عليه طويلاً، ولكنها لا تقبل بأن تجتمع عليها مصيبتا الديكتاتورية والخنوع لأمريكا معاً، وهذا هو سرّ شعبية الحكام المستبدين المناوئين لأمريكا وفي مقدِّمتهم عبد الناصر وبومدين وصدام، وحتى القذافي، بينما تنظر الشعوبُ بكثير من المقت والاحتقار إلى السادات ومبارك وباقي عملاء أمريكا وبيادقها بالمنطقة العربية.
بشار حاكمٌ مستبدٌّ وقمعي كبتَ أنفاس شعبه وحرمه من حقوقه في الحرية والديمقراطية وقمع انتفاضته السلمية في أشهرها الأولى بشكل دموي.. كل هذا صحيح، ولكنه ليس عميلاً نذلاً للولايات المتحدة والصهيونية، يتآمر على إخوانه العرب ويساعد على ضربهم وتدميرهم، أو يزوّد جماعاتهم المعارضة بأحدث الأسلحة ويجبن عن مساعدة إخوانه الفلسطينيين ببندقية واحدة، خوفاً من غضب أمريكا.
بشار هو أحد أكبر الخاسرين دون شك بقبوله تفكيك أسلحته الكيماوية تحت إشراف دولي، وبالتالي خسارة أحد أسلحته الردعية في وقت يستمر فيه الكيانُ الصهيوني في امتلاك ترسانة نووية ضخمة دون حسيب أو رقيب، ولكن خسارة الأعراب بعدم استجابة أمريكا لتحريضهم ضده، لا تقل عن خسارته أسلحته الكيماوية.
هؤلاء باعوا العراق من قبل وحرَّضوا أمريكا على العدوان عليه وساعدوها على احتلاله وتدميره وشنق رئيسه وقتل مليون من أبنائه وتيتيم 4 ملايين من أطفاله، وإغراقه في حرب طائفية نتنة باتت تهدد وحدة أراضيه، وفي الأخير سقط الحكمُ في يد الشيعة وأصبح العراق حليفاً لإيران وشوكة في حلوقهم بعد أن كان خطهم الدفاعي الأول ضدها، ثم تحالفوا ضد القذافي وساهموا في إسقاطه وقتله وإيقاع ليبيا في فوضى عارمة يميزها ضعفُ الدولة وعدم قدرتها على فرض القانون على 142 ميليشيا للثوار، والآن يكررون الخطأ نفسه ويحرّضون على ضرب سوريا وتدمير مقدراتها، دون أي حساب لعواقب ذلك.
تُرى بماذا يشعر هؤلاء العربان الآن وأمريكا تتفق مع روسيا على صفقة؟ بالغضب المكتوم؟ أم بالإحباط والكآبة؟ لقد أثبتت لهم أمريكا مجدداً أنه لا يهمها أبداً مقتلُ آلاف العرب والمسلمين بالأسلحة الكيماوية أو غيرها، وكل ما يهمها هو فقط إبعاد أي خطر عن الكيان الصهيوني، سواء بالحرب أو بالصفقات السياسية، وما دامت قد توصلت إلى صفقة لتفكيك النظام السوري أسلحتَه الكيماوية طواعية، فلماذا تخوض حرباً قد تخرج عن السيطرة وتهدد أمن حليفها الصهيوني وحتى آبار النفط بالمنطقة وتكبّدها أيضاً خسائرَ اقتصادية أكثر جسامة من خسائر حربي أفغانستان والعراق؟
ليت هؤلاء الذين كانوا يراهنون على جلب عدوان أمريكي جديد ضد دولة شقيقة، يبعثون بجيوشهم إلى سوريا لإنجاز المَهمَّة بأنفسهم عوض أن يطلبوا من الآخرين إنجازها لهم بمقابل.. نتحرّق شوقاً إلى رؤية جيوشهم “الجرّارة” و”المغوارة”، وهي تقاتل لنرى ما الذي ستفعله.. أرونا “حنَّة أيديكم”.