-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

اتحاد المغرب العربي: الفرص الضائعة

بشير مصيطفى
  • 8770
  • 10
اتحاد المغرب العربي: الفرص الضائعة

مرت 21 سنة على تاريخ تأسيس اتحاد المغرب العربي العام 1989 ولم تنفذ من مشروعاته وعددها 37 أكثر من 7 اتفاقيات.

وظل مشروع منطقة التجارة الحرة المغاربية حبرا على ورق، كما ظل مشروع مصرف الاستثمار المغاربي قيد الاجراءات الإدارية التي لا أحد يعلم متى تنتهي. أما شعوب المنطقة التي يزيد عدد سكانها عن 90 مليون نسمة فلا زالت تدفع ثمن تعطل تنفيذ تلك الاتفاقيات في شكل خسائر مستمرة على صعيد الأسواق التي لم تعد تعمل خارج آلية الاندماج. فما الذي يعيق بناء اتحاد مغاربي كبير؟ وماذا خسرت وتخسر الشعوب المغاربية جراء استمرار الوضع على ما هو عليه؟

 

عصر التكتلات

توحّدت الدول الأوربية على خلفية تقاسم سوق حجمها 380 مليون نسمة بانتهاج أسلوب إنتاج الحجم والمنظومة النقدية الموحدة، واستفادت شعوب المنطقة من المزايا النسبية التي يوفرها الاتحاد على سلم تكاليف الإنتاج وسعر صرف العملات. وهكذا باتت دول المنطقة أكثر أمانا إزاء تقلبات الدولار بفضل العملة الموحدة “اليورو”، كما مكنتها السوق المشتركة من تقسيم أفضل للعمل على خلفية المزايا النسبية لأسواق السلع والخدمات وسوق العمل. وسارعت دول أوربا الشرقية والدول الأقل تطورا في أوربا للانضمام إلى الفضاء الجديد تحسبا لعصر التكتلات الذي تبيّن فيما بعد أنه العصر الذي تسود فيه دول وتختفي فيه أخرى وبالفعل، فقد بيّنت أزمة اليونان الأخيرة أن وجودها ضمن اتحاد إقليمي فرض على بقية الأعضاء المسارعة إلى دعمها في مواجهة الإفلاس على سلم “التضامن” ولو بضخ سيولة جديدة في النظام المالي اليوناني معالجة لعجز الموازنة الذي فاق 13 بالمائة من الناتج المحلي أسوة بمخطط “بولسون” في أمريكا الذي حمى الاقتصاد الأمريكي من انهيار أكيد ولو إلى حين.

واستفادت دول الاتحاد الأوربي من إنتاج الحجم عندما تمكنت من خفض تكاليف إنتاج المواد الصناعية الموجهة للتصدير بفضل اندماج الطلب الداخلي وبالتالي اندماج أسواق الإنتاج وهو ما مكنها فعلا من الصمود أمام الاقتصاديات الواسعة، مثل الصين ومنطقة “نافتا”، شمالي أمريكا.

وعلى صعيد صرف العملات، مكّن اليورو دول الاتحاد الأوربي من مواجهة كتلة الدولار التي أغرقت العالم في كمّ هائل من الأوراق الخضراء التي لا تضمنها كمية كافية من الإنتاج أو الذهب. ولو ظلت العملات الأوربية السابقة قائمة، شأن الفرنك الفرنسي أو الليرة الإيطالية، لما صمدت أنظمة الصرف في أوربا أمام تقلبات الدولار ولضاع الجميع وسط قرارات الفدرالي الأمريكي بشأن أسعار الفائدة.

 

نظرية المزايا النسبية

استطاع الاتحاد الأوربي، الشريك الأساسي لدول المغرب العربي بنسبة تصل إلى 55 بالمائة من حجم التجارة الخارجية لتلك الدول، من خفض تكاليف إنتاج المواد الأساسية ومستهلكات دول المغرب العربي الصناعية والخدمية بفضل أسلوب إنتاج الحجم أي الإنتاج الكبير، وسرعان ما أثر ذلك على الموازين التجارية لتلك الدول لجانب الاستيراد، وعلى سبيل المثال انخفضت نسبة الصادرات من خارج المحروقات بالنسبة للجزائر من 71 قبل نشوء الاتحاد الأوربي إلى 97 بالمائة في الوقت الراهن، وتدفع الجزائر للاتحاد الأوربي 20 دولارا مقابل الحصول على دولار واحد في مجال تجارة الثروة. وفي الوقت الذي يتم فيه توظيف الفوائض المالية لكل من ليبيا والجزائر في محفظات استثمارية خاسرة من منظور مردودية رأس المال، يشكل الاستثمار الأجنبي المباشر أكثر من 50 بالمائة من التكوين الرأسمالي لكل من المغرب وتونس. وعلى الصعيد النقدي، لازالت شعوب المغرب العربي تدفع ثمن غياب وحدة نقدية مغاربية في شكل خسائر التحويل وأعباء البنوك وعمليات الصرف المتعددة بين 5 عملات مختلفة، وساعد ضعف التبادل التجاري البيني الذي لا تزيد نسبته عن 3 بالمائة على تعميق الخسارة جراء توزيع الصرف بين الدولار واليورو.  

  

ماذا خسرت شعوب المغرب العربي من فرقة أنظمتها؟

خسرت شعوب المغرب العربي كثيرا جراء فشل أنظمتها في إطلاق اتحاد  قوي يصمد أمام الخلافات السياسية والنزاع حول قيادة القاطرة. ويكفي أن المواطن المغربي يشتري البنزين بسعر يعادل سعره بالجزائر 8 مرات ويشتري المواطن الجزائري منتوج الأسماك بسعر قد يزيد عن سعره بالمغرب بعشرين مرة، ونفس شيء بالنسبة لكثير من المنتجات الفلاحية والصيدلانية ومنتجات الصناعة الغذائية. وعلى صعيد الاستثمار، خسرت دول المغرب العربي كثيرا جراء سياسة توظيف فوائضها المالية في السندات الخارجية بسبب تراجع الفائدة في النظام النقدي الأمريكي. وكان من الأنجع، اقتصاديا، أن تخصص تلك الموارد المالية للاستثمار في دول المغرب العربي ضمن خطة مشتركة للمشروعات التي تتطلب أسواقا واسعة. وتعمل الجزائر حاليا على بناء مصنع لتركيب السيارات موجه لجزء من الطلب الداخلي، ويعمل المغرب في نفس الاتجاه، وهكذا يساهم البلدان بشكل منفرد على تحطيم قاعدة الاستفادة من مزايا الإنتاجية الحدية لرأس المال، فضلا عن تفويت فرصة الاستفادة من سوق مشتركة حجمها 70 مليون نسمة إذا استثنيا أسواق بقية دول المنطقة والسوق الافريقية. كما أطلقت الجزائر مشروع الطريق السيار شرق ـ غرب بميزانية رأسمالية ضخمة وهو مشروع سيفقد كل قيمة اقتصادية خارج التبادل التجاري البري بين دول الساحل المغاربية وهو تبادل لا يضمنه سوى اتحاد قوي مزود بنظام إنتاج وتسويق منافس.

وتخسر دول المغرب العربي سنويا ما يعادل 3 بالمائة من مجموع ناتجها الداخلي كفرصة ضائعة من منظومة الاتحاد بحسب تقديرات البنك العالمي وهي خسارة كبرى لا أحد يستوعبها في مشهد التنافس الدولي والإقليمي على تحقيق أكبر مردودية ممكنة من السياسات الاقتصادية التي بإمكان الدول انتهاجها. 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
10
  • عبد الكريم

    بسم الله .شكرا جزيلا استاذ مصطفى و لكل القراء. في اعتقادي ان الذي يحول دون قيام اتحاد مغاربي قوي وفاعل و ذا انتاج في شتى المجالات هو اننا نخاف التسلط على بعضنا بسبب الحسابات الضيقة لكل طرف ربما هي عقدة متوارثة والاكيد هو وجود اطراف عدوة تلبس قناع الصديق تغذي هذه الافكار بدخولها المباشر في اقتصادنا وثقافتنا و حياتنا ككل بطريقة نقرا من خلالها ان صديقا ينفعك خير من اخ يظرك. وهذا خطاء كبير وقعنا فيه لجهلنا .حيث ان هذه الاطراف عملت على تمويهنا واعطاءنا جرعات من المخدرات الذي سيزو ل مفعولها بعد تدميرنا وغرس سرطان الفرقة الذي لا يستاصل و لا يعالج . ومن ثم انتهت المرحلة الاولى من سيناريو خطير . اخر مراحله جعلنا عبيد في ارضنا لخدمة .... والحل موجود عندما نعمل بمسؤلية كبيرة تجاه مصلحتنا العامة .

  • المصطفى

    إما أن يقوم الإتحاد المغاربي على أساس احترام الوحدة الترابية للمملكة المغربية او لا يقوم.

  • adilo

    لاشك و كما يعلم الكل أن الاتحاد المغاربي أصبح من المواضيع المتناسية في رفوف و أدراج الحكومات المعنية، و أنها أصبحت تتناسى حتى بين أوساط العموم، فبالكاد أصبحنا نتفكر أنه هناك اتحاد و ذلك عند ذكرى تأسيسه. لكن لابد و أن تعي شعوب الدول الخمس المكونة للاتحاد و التي هي في الاصل ـ تاريخيا و جغرافيا ـ أمة واحدة تجمعها قواسم مشتركة كثيرة كاللغة و الدين و الثقافة
    و الاصل و ....
    إن قضية اتحاد المغاربي قضية جوهرية و مهمة و أساسية يأتي في قمة الاولويات. ولابد أن تعي الامة المغاربية أنه لا تطور و لا تقدم على غرار التكتلات الجهوية الاخري و التي برهنت عن نجاحها على مستوى الاقتصادي و السياسي. فلابد و أن نتحمل نحن الشعوب قبل الحكومات مسؤوليتنا في استمرار و تقوية اتحاد مغاربي قوي اقتصاديا و اجتماعيا، تاركين ورائنا كل الخلافات التي لا أصل لها و ما هي الا خلافات عرضية قد تتلاشى وتتناسى مع انقراض مخرجي
    و منتجي هذه المشاكل.
    انه الان دورنا نحن ابناء هذه الامة من مثقفين و جمعويين و كتاب و أدباء و علماء و اقتصاديين
    و غير هذا و ذاك، أن نضع أيدينا في أيدي بعض لكي نسير قدما نحو اتحاد مغاربي موحد,و لايمكن ان ينجح ذلك بدون تحملنا لمسؤولياتنا و وعينا ببناء هذا الصرح المغاربي.

  • samir

    je vous remercie pour cette article...excellent sujet.. d'un excellent journalist...

  • nadir

    مقال رائع من كاتب متميز وكلنا نطالب بأن تلعب شعوب المغرب العربي دورها في الوحدة ، والأرقام التي قدمها مصيطفى غنية عن التعليق

  • ناصر الطبيب

    الله يبارك فيك يا الشيخ ما شاء الله

  • خلدون المغربي

    لن يكون هناك اي اتحاد على حساب وحدتنا الترابية ..الاتحاد يجب احترام سيادة كل دولة

  • BELAHBIB

    THANK YOU OUR PROF FOR THIS STUDIES EVERY WEEKS
    I AM WAITING YOUR IDEAS

  • omar

    يا حسرة على العباد

  • nounou

    مقل جيد من كاتب جيد وكم ضيعنا من فرص أخرى في ميادين كثيرة