الرأي

احتيالٌ مقنّن على 44 مليون جزائري!

حسين لقرع
  • 6174
  • 16

تستعدُّ المستشفيات الكبرى بالوطن لإجراء عملياتٍ واسعة لزرع الأعضاء والأنسجة البشرية للمرضى الذين هم بحاجةٍ ماسّة إليها انطلاقا ممن يُسمّون تجاوزا “الموتى إكلينيكيًّا” أو دماغيًّا، وهم الأشخاص الذين تعرّضوا لصدمات بدنية عنيفة إثر حوادث مرور وغيرها، فتوقّفت أدمغتُهم عن أداء وظيفتها، إلا أنّ قلوبهم ورئاتِهم وأعضاءَهم الحيوية لا تزال تعمل من خلال ضخِّ الأكسجين إلى الرئتين بأجهزة التنفّس الاصطناعي.

بدل فتح نقاش واسع حول مسألة التبرّع بالأعضاء والأنسجة البشرية، والقيام بعملية تحسيس واسعة في وسائل الإعلام الثقيلة، وإشراك مختلف الفاعلين في الساحة في العملية، حتى الأئمة في المساجد، فإنّ وزارة الصحة آثرت أن تبدأ عمليات النقل ممن يُسمّون “الموتى دماغيا” إلى المرضى في غضون أسابيع قليلة وانتهى الأمر، وركّزت فقط على فتح “سجلٍّ وطنيٍّ للممتنعين عن التبرُّع”، وهذه مصيبة حقيقة؛ إذ عوض أن تفتح الوزارة سجلا للمتبرِّعين طوعا، وعن دراية وقناعة تامّـتين، كما يجري في شتى البلدان الإسلامية التي تحرِّم نقل الأعضاء من “الموتى إكلينيكيًّا” من دون موافقة مسبقة لـ”الميت” قبل وفاته، أو موافقة أهله بعدها، فقد آثرت الوزارةُ حلا آخر سهلاً وبالغ الغرابة؛ وهو فتح سجلّ لـ”الممتنعين عن التبرّع؟!”، وهذه البدعة هي قمّة التهرّب من المسؤولية ومواجهة الواقع.

وتبعاً لذلك، فإنّ أيّ مواطن لا يسجِّل في “سجلّ الممتنعين عن التبرع”، اعتراضَه على استئصال أعضائه بعد “وفاته دماغيًّا”، تُعِدّه وزارة الصحة “متبرِّعا آليا؟!”؛ أي أنّها تعتبر عدم تسجيله “علامة على رضاه” ودليلاً على قبوله بالتبرّع بأعضائه بعد أن “يتوفى دماغيًّا”، مع أنّ الصحيح هو أنه دليلٌ على جهله المطبق بالموضوع برمّته؛ ترى كم جزائريا، من بين 44 مليون جزائري، سمع بحكاية نقل الأعضاء هذه من “الموتى دماغيًّا”، وبـ”سجلِّ الممتنعين عن التبرّع” الذي ابتدعته وزارةُ الصحة؟ المئات؟ الآلاف؟ عشرات الآلاف؟ لماذا لم تقُم الوزارة بحملة تحسيسٍ واسعة في وسائل الإعلام الثقيلة قبل الشُّروع في العملية وآثرت التعتيمَ عليها إلى الآن؟

إنّ اعتبار كلِّ من لم يسجِّل اعتراضه في سجلِّ الممتنعين عن التبرّع “متبرعا آليا؟!” هو احتيالٌ صارخ سيمكِّن الوزارة من الحصول على 44 مليون “متبرّع آليا” وملءِ بنوك الأعضاء والأنسجة بما يفيض عن الحاجة من قطعِ الغيار البشرية، وستُنهي الوزارة بذلك مسألة ندرة الأعضاء والأنسجة كالكليتين والقلب والكبد والقرنيتين… ولكنّها ستسقط في أزمة أخلاقية كبيرة حينما تكتشف العائلات أنّ موتاها الذين سلّمتهم لها المستشفيات، قد جُرِّدوا من عددٍ من أعضائهم وأنسجتهم بذريعة أنّهم “متبرّعون آليا”، لأنهم لم يسجِّلوا امتناعَهم عن ذلك في “سجلّ الممتنعين عن التبرّع”، أيُّ منطقٍ هذا الذي تعمل به وزارة الصحّة؟!

هذا الاحتيال باسم القانون يجب أن يتوقّف قبل أن يبدأ، وأن تعدِّل الوزارة مجددا قانون الصحة لعام 2018 وتحديدا المادّة 362 التي تقنّن لهذا الاحتيال، وتعود إلى صيغة الحصول على تبرُّعٍ صريح من المريض؛ أي أن يأذن المريضُ صراحة للأطبّاء بنقل أعضائه منه بعد أن يتوفى، أو أن تأذن عائلتُه بذلك بعد وفاته.

هذا هو التصرُّف الصحيح والأخلاقي، وما عداه مجرّد تعتيم واحتيال واسع على الجزائريين، وتقنينٌ لنهب أعضائهم منهم، ولن يقبله أحد.

مقالات ذات صلة