الرأي

اذكروا سعدان بخير…

ياسين معلومي
  • 3310
  • 25

كثيرون في الجزائر يعتبرون رابح سعدان أحد أحسن المدربين الذين أنجبتهم الكرة الجزائرية، كيف لا، وهو الوحيد الذي أهّل المنتخب الجزائري لكرة القدم إلى ثلاث كؤوس عالمية على يده، والوحيد الذي يترك بصماته في أي فريق يشرف عليه، والوحيد كذلك الذي يترك “مكانه نظيفا” بعد مغادرته المنتخب أو الأندية التي أشرف عليها، ويعود دائما لإنقاذ ما يفسده من يدّعون في الكرة فلسفة؟ عرفوا أشياء وغابت عنهم أشياء.

سعدان الذي أرغم على البقاء في بيته بعيدا عن الملاعب، ذنبه الوحيد هو أنه دوّن اسمه في تاريخ الجزائر، والكرة الجزائرية والإفريقية، وحتى العالمية، وجلب لوطننا مفخرة كبيرة، منذ كان طالبا ناجحا، عسكريا فذا، لاعبا موهوبا، إلى أن أصبح مدربا عالميا، هكذا يقول العارفون بخبايا كرة القدم.

مثلما يحدث في السياسة، يحدث أيضا في الرياضة، ولا نعرف قيمة الرجال إلا بعد رحيلهم، حينها نمجدهم، ونمدحهم، نكتب عنهم شعرا ونثرا، ونتباهى بهم أمام الأمم، لكن في حياتهم ندوسهم بأقدامنا وأقلامنا، وحتى بمخيلتنا، ونوصد الأبواب في وجوههم، ونبعدهم عن الكرة وميادينها، ونرجعهم إلى نقطة الصفر، وكأنهم دخلاء عن الكرة وملاعبها.

ما يحدث اليوم للشيخ رابح سعدان في الجزائر، حدث “للمعلم” حسن شحاتة المتوج بثلاث كؤوس إفريقية متتالية مع المنتخب المصري، والتونسي فوزي البنزرتي الحائز على الألقاب المحلية والإفريقية مع الأندية والقائمة كبيرة… هؤلاء تم تفضيل مدربين أجانب عليهم، همهم الوحيد هو جني الكثير من الأموال قبل الإقالة أو الاستقالة، هل قدم البوسني وحيد خاليلوزيتش أكثر مما قدمه رابح سعدان للمنتخب، وهل أهل المدرب الأمريكي برادلي منتخب مصر إلى نهائيات كأس العالم، وماذا جنى التونسيون من مدربهم الهولندي رود كرول سوى إقصاء “غير مشرف” .

نحن العرب، نمجد كل ما هو “أجنبي”، ونجعله سيدا علينا، ونعطيه من الإمكانات ما تجعله يعمل في راحة وسكينة، ونجري وراءه حتى يخيل إليه أنه الأقوى والأصلح، أما “المحلي” فنضع العقبات في طريقه، ونخلق له مشاكل لا تعد ولا تحصى، ونطلب منه المستحيل، ونلومه حين يتحدث وينتقد، ونقيله حين يتعثر، و”نبهدله” حين يخطئ، ونخرجه من اللعبة الرياضية لسبب واحد لأنه جزائري “قح”.

حتى الخرجة المفاجئة لوزارة الشباب والرياضة بتعيينها الدولي الجزائري السابق، رابح ماجر، رئيسا للجنة وطنية تشرف على اكتشاف المواهب الرياضية، في مسعى من السلطات للحدّ من سياسة الاعتماد على الرياضيين من المدارس الأجنبية في الخارج، خصوصاً فرنسا، تجاهلت هي الأخرى عميد المدربين، رابح سعدان، ووضعته في خانة المغضوب عليهم، وكأنه لم يقدم شيئا للرياضة الجزائرية.

لا أظن أن معالي وزير الشباب والرياضة، محمد تهمي، يكن حقدا للشيخ سعدان، أو يكرهه لسبب من الأسباب، المشكل قد يكون في مستشاري معاليه، هؤلاء ربما يستفيقون يوما من سباتهم، ويسارعون إلى تصحيح أخطائهم قبل فوات الأوان، لأنه لا ماجر ولا أي رياضي عالمي آخر يمكنه الحد من سياسة جلب الرياضيين من الخارج… سياسة قد تعيدنا إلى بداية التسعينيات، حين كان المنتخب الوطني ينهزم فوق ميدانه أمام كينيا والغابون وغيرها من المنتخبات الإفريقية، وهل نحن أحسن من المنتخبات الكبيرة التي تجلب لاعبين من الخارج لتدعيم منتخباتها الوطنية، اسألوا رونالدو وميسي وريبيري ربما تعرفون الإجابة.

حديثي عن تهميش سعدان من طرف المسؤولين على الرياضة بالجزائر، ليس ضغطا لإعادته إلى الواجهة، لكن على الأقل: اذكروه بخير.

مقالات ذات صلة