الرأي

ارفعوا صوري في المسيرات

حسان زهار
  • 1811
  • 5
ح.م

يبدو أننا عجزنا عن مسايرة وتيرة الاختراعات الحاصلة عالميا في مجال العلوم التكنولوجية، فعوضناه – ولله الحمد –  بتسريع وتيرة الاختراعات في مجال العلوم السياسية!

الاختراع المذهل الأخير الذي ظهر عندنا وقد حير الدنيا وشغل المنابر، هو ظهور ما يسمى بديمقراطية الصور الفوتوغرافية، وملخصها أن تعمد الحشود من المتظاهرين إلى حمل صور الشخصيات التي تثق فيها، وتريدها أن تصل الى منصة الحكم، وبعد عمليات تصوير ضوئي من السماء، وتحليل المحتوى في مخابر لندن وباريس، وتحديد من (الشخصيات الوطنية) حصلت على أكثر من 70 بالمائة، يتم اعلان الهيئة الرئاسية، التي سوف تحملها الجماهير على الأعناق قبل أن تذهب بها إلى قصر المرادية لتنصيبها في الحكم.

وطبيعي هنا أن نشير أن مصدر هذا الاختراع العظيم، هي نفسها الجهة التي أرادت أن تتكلم باسم الجزائريين بـ”السيف”، ورغم أن الجزائريين ردوا على هذا النوع من الابتذال السياسي، بهاشتاغ مزلزل “ما تهدرش باسمي”، إلا أن عدم الحياء السياسي، دفع بتلك الجهات إلى المزايدة في الابتذال، الى درجة القول “ارفعوا صوري في المسيرات”.. أنا أريد أن أحكمكم.

صدقوني، الاختراع المذهل هذا ليس نكتة، وليس مزحة، وهو محل ترويج واسع من بعض “المناضلين” الحالمين بجزائر حرة وديمقراطية، والغريب هنا أن الديمقراطية عند هؤلاء تطورت بشكل غير مسبوق، وتشكلت حسب نظرياتهم الجديدة، لتكون بالضبط على المقاس الذي يلبسونه في “البنطال” و”الصباط”.

هؤلاء هم الذين تمردوا على النظرية الكلاسيكية للديمقراطية، إنهم الذين لم تعجبهم المعايير العالمية للديمقراطية، الذين اعتبروا حكم الصندوق الانتخابي ظلما في حق “الأقليات”، وتعسفا من الأغلبية، لأنه يزيح “الفطريات” والحشائش الضارة من الفعل السياسي، وإجحافا في حق نضالهم الطويل في سبيل أن يكونوا “زعماء” على الشعب ولو بمثل هذه الحيل الصغيرة.

الدليل، أن ديمقراطية الصور الفوتوغرافية هذه التي ظهرت أخيرا، قد تطورت عن نظرية “البطاقات الملونة” للديمقراطية المحلية، والتي ظهرت بدورها قبل أشهر قليلة داخل الحراك الجزائري، ومفادها أن ترفع الجماهير الحراكية البطاقات الحمراء في وجه الوجوه المنبوذة، وترفع البطاقات الخضراء لمن تراها قادرة على تمثيل الحراك، ولا ندري بعدها، اي آلة عملاقة ستقوم بالعد والإحصاء، لإخراج الفائزين من انتخابات الشارع هذه.

“الديمقرانية” هي اذن الوجه الآخر “للديموزيطية”، كلاهما يصدر من مشكاة واحدة، هي مشكاة المظلومية الزائفة، والأقليات المتمسكنة، والعصب التي تعتاش على التويتر.

في كلتا الحالتين، حيث التحالف خارج نواميس الطبيعة، بين إسلاميين مزيفين وعلمانيين أكثر زيفا (تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى)، جملة واحدة تتكرر عبر توليفة متعددة (ارفعوا صوري في المسيرات، دعوني أتكلم باسمكم، احملوني على الأعناق الى قصر المرادية)…

فأي شهوة للحكم هذه، وأي أساليب غير أخلاقية؟

المهم في كل الحكاية أن لا تتم الانتخابات، المهم أن لا يصدر الشعب، كل الشعب حكمه، وليس جزء منه فقط، على أمثال هؤلاء، لأنهم سيكونون في هذه الحالة، سواء بانتخابات نزيهة أو حتى انتخابات مزورة، خارج اللعبة.

ولذلك هم يكرهون الانتخابات  بشدة، ويناصبون “الصندوق” كل هذا العداء الكبير.

ولذلك، نراهم يتحركون بكل هذا الجنون، ويعمدون بحكم الحاجة (الحاجة أم الاختراع)، إلى هكذا اختراعات كوميدية، ستبقى وصمة عار عبر التاريخ، على جبين هؤلاء إلى يوم الدين.

مقالات ذات صلة