الرأي

اغتصاب رابعة؟

يروي التاريخ الإسلامي أن العابدة الصوفية رابعة العدوية، التي عاشت في القرن الهجري الأول في البصرة بالعراق، رفضت الزواج، رغم طابور الخُطاب الذين طلبوا ودّها، وارتضت أن تعيش دون أن يمسها بشر، وتؤسس لما يعرف بمذهب العشق الإلهي. ورغم اختلاف العلماء بشأنها، فإنهم يجمعون على أنها واحدة من أطهر نساء التاريخ الإسلامي، لأنها عاشت للخير فسموها أم الخير، وجاهدت من أجل العفاف فسموها أم العفة والطهارة، وكانت جامعة علم فسموها أم العلوم والمعارف، فسمى العراقيون مساجدهم والسوريون كلياتهم باسمها، وسمى المصريون شارعا كبيرا في قلب القاهرة باسمها، وجعلوها رمزا للعفاف على مدار سنوات، مثل رابعة العدوية التي عاشت أكثر من ثمانين سنة من العمر بتولا، لم يمسها إنس ولا جان.

 وتحولت رابعة العدوية إلى رمز للمرأة العربية العفيفة، تغنى بها الشعراء واعتبرها المتصوفون مدرسة قائمة بذاتها، وألف عن حياتها عمر رضا كحالة وفريد الدين عطار وغيرهما العشرات من الكتب، وخصّتها السينما بالعديد من الأعمال، واختارها الإخوان بلجوئهم إلى الشارع المسمى باسمها لأجل استرجاع الكرسي الذي أجلس الشعب المصري محمد مرسي عليه بعد انتخابات شهد السيسي والأمريكان والصهاينة على أنها كانت نزيهة.

  ولم يتصور أحد، أن السيسي الذي قاد الانقلاب على مرسي، يكرر ما حدث في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ولكن بأكثر بشاعة، لأجل استرجاع كرسي، يجلس عليه عسكر مصر في استراحة محارب دخل التقاعد العسكري الحقيقي عن مواجهة العدو الحقيقي، منذ معاهدة كامب ديفيد عام 1977.

اغتصاب حرمة رابعة العدوية، بعد أربعة عشر قرنا، يؤكد أن الذين خططوا لزلزلة البلدان الإسلامية الكبرى، وعواصم الحضارة والخلافة الإسلامية نجحوا إلى أبعد الحدود، وإذا كان المعروف في التاريخ أن الذي يهزمنا هو العدو، فإنه في حالة عاصمة العباسيين العراق، وعاصمة الأمويين سوريا، وعاصمة العواصم مصر، جاءت الهزيمة بأيدينا، فقد ضرب ترومان الأمريكي، اليابان بالقنبلة الذرية، وذبح شارون الإسرائيلي صبرا وشاتيلا الفلسطينية، وقتل الآن السيسي المصري، المصريين في محرقة رابعة العدوية، ليكمل مسلسلا اتفق فيه العرب على أن يتفقوا من المحيط إلى الخليج، وسقطت إلى الأبد مقولة ابن خلدون الذي قال إن العرب اتفقوا على أن لا يتفقوا.

لقد قدمت الجزائر على مدار عشريتين أسماء إرهابيين كانوا يذبحون الناس بألقاب الصحابة، مثل مصعب والقعقاع ومعاذ وشرحبيل، حتى شوّهوا تاريخ أبطال الإسلام الذين نشروا الدين الحنيف وكانوا كما وصفهم القرآن، سجدا ركعا يبتغون فضلا من الله ورضوانا، وأقحمت الفتنة في العراق أحفاد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من الحسين إلى جعفر الصادق وزين العابدين، حتى نأى عامة المسلمين، فما بالك بغيرهم، بجانبهم عن سيرة أهل البيت، واختارت الحرب الأهلية والطائفية في سوريا مساجد حلب ودمشق مسرحا لها، فقتلت العلماء وهجّرت السوريين من المساجد، وجاء الدور على مصر، عندما قدمت رابعة العدوية مكانا للمحرقة، وهي العابدة التي قالت منذ أربعة عشر قرنا:

وزادي قليل ما أراه مبلغي _ أللزاد أبكي أم لطول مسافتي؟

 

أتحرقني بالنار يا غاية المنى _ فأين رجائي فيك أين مخافتي؟

مقالات ذات صلة