اقنِعوا.. لا تَقمَعوا
إذا عجزت السلطات عن إقناع المواطنين بسداد رأيها ينبغي ألا تَقمَعهم. المنطق السليم يقول هذا والسياسة الرشيدة تقتضي ذلك. مادام مواطنو عين صالح أو غيرهم يدافعون عن وجهة نظرهم ومواقفهم بالطرق السلمية ليس من حق أيّ جهة كانت أن تَقمعهم أو تُواجههم بالقوة، بل عليها أولاً وقبل أي شيء أن تُقنعهم، وإذا عجزت عن ذلك فليس أمامها سوى سبيلين: إما الاستجابة لمطالبهم مهما كانت مخالفة لوجهة نظرها، لأنهم جزءٌ من الشعب والسيادة في بلانا هي للشعب، أو مصارحتهم بكل الحقائق المرّة في هذا الشأن، في إطار من الشفافية التامّة، لعلهم يساعدونها على إيجاد حلول جديدة أو يمنعونها من الاستمرار في الطريق غير الصحيح.
يُمكن لمن يُمثِّل السلطات المحلية والمركزية أن يُصارح الناس بأن هذه السلطات لا تستطيع مقارعة شركة “طوطال” الفرنسية مثلا وهي التي يفوق رقم أعمالها السنوي البالغ 159 ,5 مليار يورو في سنة 2013 مرتين المداخيل السنوية للجزائر فضلا عن كونها حامية مصالح فرنسا في بلدنا، أو لا تستطيع منع شركة “هاليبرتون” الأمريكية من التنقيب عن الغاز الصخري، لأن دخلها هي الأخرى يُقارب نصف دخل كل الجزائر بـ 23,8 مليار يورو سنة 2014 فضلا عن كونها تمثل أحد أوجه خدمة المصالح الأمريكية في المنطقة…
أو على هذه السلطات أن تصارح الناس بما إذا كانت الحكومة الجزائرية قد قطعت التزامات دولية مع هاتين الشركتين أو مع غيرهما، في غياب استشارة شعبية، وأنها تتوقع ردة فعل غاضبة منهما تتسبب في أضرار كبيرة على الاقتصاد الوطني وعلى الاستقرار في البلاد في ظل التهديدات المتعددة التي تحيط بها من كل جانب…
ولا عيب في هذا أو ذاك، إنما العيب أن يحدث العكس؛ أن يتم إلقاء اللوم كل اللوم على المواطنين الذين عبَّروا سلميا على رفضهم لسياسات الأمر الواقع المفروضة من قبل السلطات أو من قبل الشركات الدولية عبر السلطات، وقمعهم بدل السماع لهم وإقناعهم.
وفي كل الحالات، على السلطات أن تعرف بأن هدوء وحكمة وصبر وكرم أهل الجنوب قد يتحوّل إلى عكسه تماما إذا ما تمادت في دفعهم باتجاه مساحة اليأس من خلال التخوين والإهانة بدل تشجيعهم على الدخول إلى مساحة الأمل من خلال الحوار والمصارحة الشفافة والإقناع… ألم يقل الإمام علي كرم الله وجهه: “احذر العاقل إذا أغضبته والكريم إذا أهنته“؟
والكل يعلم كم هم عقلاء وكرماء أهلنا في الجنوب… فلا تُغضبوهم ولا تُهينوهم…