-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الأزمة بين المشكلة والحل

التهامي مجوري
  • 3656
  • 0
الأزمة بين المشكلة والحل

تتناقل وسائل الإعلام هذه الأيام خبر دخول الجزائر في أزمة اقتصادية ومالية، وكأن الأزمة طارئة على الجزائر ولم تعرفها من قبل، بينما الجزائر كانت ولا زالت في أزمة متعددة الجوانب، ولكن الظاهر أن ما يتداوله الناس ويحاولون تسويقه وتحليله وفهمه، هو أسوأ مستويات هذه الأزمة التي تكيفت معها الجزائر وأصبحت جزء منها بكل أسف؛ لأن الأزمة في الجزائر لها مستويات متفاوتة، منها ضعف الاستثمار، ضعف التربية والتكوين، البطالة، ضعف الإنتاج، التضخم، تدني مستوى المعيشة، الاحتكار، الفساد…إلخ، كل ذلك من أعراض الأزمة التي لم تكن الجزائر بعيدة عنها في مرحلة من مراحلها منذ بداية الاستقلال، بمستويات متفاوتة بين مرحلة وأخرى وبين مسؤول وآخر، وهنا يمكنني استعارة عبارات للرئيس هواري بومدين، عندما قال ذات يوم في خطاب رسمي “إنني أعلم ان الشعب يتكلم عن ندرة البطاطا والزرودية –الجزر-“، وذلك أيام العهد الاشتراكي، حيث كانت الندرة أصل من أصول النظام الحاكم، وطوابير سوق الفلاح تاريخ يرويه جيل السبعينيات إلى من بعدهم، إلى جانب كوارث الثورة الزراعية، وكذلك عبارة الرئيس الشاذلي بن جديد، في منتصف ثمانينيات القرن الماضي عندما قال “البقرة غِرْزِتْ”، أي جف ضرعها، وكذلك في نفس الفترة، قنبلة الفساد التي أطلقها عبد الحميد ابراهيمي التي قدرها بـ26 مليار دولار في فترة رئاسته للوزراء، ويضاف إلى كل هذا ملفات الفساد التي لا تخلو منه جريدة اليوم، بآلاف الملايير..، كل هذا من الأزمة، ولكن الذي يمنع هذه الأزمة أحيانا من الظهور، بالشكل الذي يسوق له وبالحدة التي يتكلم عنها الناس اليوم، هو الوفرة المالية الناتجة عن نعمة البترول.

فالمتكلمون عن الأزمة اليوم هم في الواقع يتكلمون عن كارثة نجمت عن استمرار أزمة بلا علاج أو بعلاج سيء، مثل المرض المزمن الذي يُقْعِد صاحبه، بسبب عدم العلاج أو العلاج السيء، وليس عن أزمة طارئة لم تكن وكانت، ولكن الذين يتعاملون مع أعراض الأزمات لا يشعرون إلا بنتائج الأزمات، عندما تستفحل ولا يبقى معها إلا الانفجار… فتتدخل “المُسَكِّنات” عبر التصريحات والتصريحات المضادة والتحليلات والتحليلات المعاكسة، والفهوم والفهوم المغايرة، لتضعنا مع موضوع وكأنه أمر جديد لا يمكن التغلب عليه بسهولة. 

والسبب في هذا القفز على حقيقة الأزمة، والوقوف عند نتائجها وقراءتها على أنها هي الأزمة، هو أن الناس في قراءتهم للأزمات، ثلاثة أصناف: صنف ينظر إلى المشكلة، وصنف لا ينظر إلى المشكلة ولا إلى الحي، وصنف ينظر إلى الحل، ولكن هذه الأصناف لا تظهر الفروق بينها ابتداء؛ لأنها تبدو وكأنها تتحرك في إطار التفاعل مع الأزمة، ومن ثم تبدو حركاتها تفاعلية في إطار البحث عن الحل، بينما الأمر ليست كذلك، وإنما هي تمارس ما يبدو لها أنه الحل، ولكن الذي يكشف الفئات الخاطئة والمتخاذلة ويميزها عن الفئات الجادة والفعالة، هو المنهجية التي يعالج بها هؤلاء الناس القضايا.

فالفئة التي تفكر في المشكلة لا تكاد تخرج منها؛ لأنها حشرت نفسها فيها وفي ضخامتها وفي تأثيرها وانعكاساتها على الواقع، وعلى الجهات المؤثرة فيها وإمكاناتهم المادية. وهذا الصنف من الناسّ، منطلقاتهم التي اعتمدوها في تحليلهم للأزمات ومعالجاتها، هي واقع الغالب والمغلوب. فالقوى الغالبة المستكبرة هي صاحبة القرار، وما تمليه من حلول وإجراءات ومعالجات لأزمات العالم والشعوب هو الحل الأمثل، وهذه الفئة بحكم غلبة الأزمة وحدتها والضعف الاجتماعي، تصاب بهزيمة نفسية، لا ترى أنها تستطيع الخروج منها، إلا ِبمُعين من القوى الكبرى، صندوق النقد الدولي، الاتحاد الأوروبي، المستثمرون الأجانب، الشركات المتعددة الجنسيات…إلخ.

على ان التفكير في الأزمة لا سيما عندما تكون الأزمة معقدة مثلما هو الحال في بلادنا، يورث حتما العجز والخَوَر؛ لأن النظر إلى ضخامة الحاجة إلى جانب تواضع الإمكانات، لا يدفع بالقوى الاجتماعية إلى الشعور بإمكانية الفوز والتفوق والنجاح، والتغلب على المصاعب، وإنما يدفع بعجلة العجز واليأس، على حساب عجلة الأمل.

والصنف الثاني وهو الأسوأ، والأسرع إلى الهزيمة والركون إلى الواقع، وهو الصنف الذي لا ينظر إلى الأزمة ولا إلى الحل، وإنما ينطلق من الواقع “متأرجحا بين مدحه وذمه”، ويسوق أوهاما، باسم المشكلة حينا وباسم الحل حينا آخر.. وأكثر من يتبنى هذا الخط، هم أرباب المسؤولية على الشأن العام، حيث لا يستطيعون ذم المشكلة والأزمة ولا مدحها؛ لأنهم من صناعها ولا يرضونها واقعا مستمرا، حتى لا يدفعون الثمن، فيطلقون العنان إلى الأقوال والأوهام والوعود، بإلقاء الأسباب على جهات أخرى وبسن قوانين وإجراءات، طمعا في التخفيف من حدة الانعكاسات السلبية للأزمة على سائر الحياة.

فعندما تصرح الحكومة بأنها قلصت نفقاتها بنسبة 7 المائة، وترى الحكومة أن كتلة مالية قدرها 3700 مليار، تتجول في السوق المالية، خارج الإطار الرسمي، تريد الحكومة استرجاعها بإغراء أصحابها بنسبة 7 بالمائة لإدخالها للبنوك، مع فرض ضرائب إضافية لتدارك ما قد تؤثر به الأزمة على حسن سير الإدارة.. وعندما يدعو رجال الأعمال إلى رفع الدعم عن المواد واسع والاستهلاك، وعندما تدعو الأحزاب الحاكمة والشخصيات الداعمة للسلطة إلى الدعم الشعبي للإدارة لتجاوز الأزمة، كل ذلك يمكن وضعه في خانة تسويق الأوهام، وإلا فإن أول من يحاسب على هذا الواقع هو الحكومة، ذلك ان تقليص نسبة 7 بالمائة من النفقات، يعني أن الحكومة كانت مبذرة بنسيبة 7 بالمائة، وهي نسبة عالية جدا، يعني بلغة العجزة، إذا كانت نفقات الحكومة مقدرة بمائة فإنها  كانت تصرف مائة وسبعة !!، وعندما تقول إنها على علم بـ3700 مليار خارج الكتلة النقدية الوطنية الرسمية، ولم تتخذ إجراء لإدخالها في حركة السوق النقدية، وتنتظر أن تقع الأزمة حتى نستدعي هذه الكتلة…، فإنها تعتبر متواطئة في الإبقاء على هذه الكتلة خارج الإطار المالي الرسمي، والكلام يطول في هذا المجال، وإنما المؤكد في الموضوع أن ما تسوقه الإدارة لا يعبر عن إدراك للأزمة، ولا عن إرادة لمعالجتها، بقطع النظر عن أي اعتبار آخر.

أما الصنف الثالث والأخير هو الذي ينطلق في قراءته من النظر إلى الحل، فهو في أزمة، ويعتقد جازما أن لها حل، لا بد من البحث فيه، انطلاقا من أن الأزمة لها أركان وليست ركنا واحدا، وأركانها الأساسية، الإنسان وطبيعة النظام الاقتصادي والاجتماعي،  والموارد وأخيرا الواقع الدولي.

أما الإنسان فلكونه صانع الأزمة والحل، فهو الذي يصنع الأزمة بضعفه وكسله وجهله وتسيبه، ويصنع الحل بقوته ونشاطه وعلمه وجديته..، وبناء الإنسان هو أول بناء تهتم به المجتمعات الناضجة. سئل أحد اليبانيين عن سر نهضتهم، بالرغم من أن بلدهم ليس لها موارد، فقال لهم ، السبب في نهضتنا أن الناس يعتمدون في نهضانهم على ما تحت أرجلهم، ونحن اعتمدنا على ما فوق أرجلنا. ويحكي المهدي المنجرة الكاتب المغربي عن الصينيين أنهم بنوا صورهم العظيم ليحميهم من غزو العدو، وفي العام الذي بنوا فيه الصور غزاهم العدو ثلاث مرات، ولكن الغزو لم يكن من جهة الصور لأنهم محصنون من تلك الجهة وإنما نجح العدو في تجنيد بعض الصينيين لصالحه ضد مصالح بلادهم.

أما النظام الاقتصادي الاجتماعي، فهو النظام الذي يحفظ للمجتمع توازنه المادي والمعنوي، انطلاقا من “العمل واجب على كل ساعد ولقمة العيش لكل فم”، على حد تعبير بن نبي رحمه الله، يعني بتحقيق مجالات لتفتق المواهب والخبرات والضمانات الإجتماعية. أما الثروات فليست هي المعَبِّر الحقيقي عن الغنى والفقر او الأزمة والحل، وإنما هي مادة اولية إذا ما وقعت في نظام اجتماعي اقتصادي راشد وبيد الإنسان العادل، فإنها تكون حلا لجميع المشكلات، اما إذا وقعت هذه المادة في نظام تحكمه منظومة فساد وبأيد يسيرها السفه واللامبالاة، فإن الحلول تنقلب إلى مشكلات وأزمات لا حد لها.

اما الواقع الدولي فمبناه على المصالح، وعلى الحنكة في بناء جسور العلاقات الدولية والقدرة على فهم التوازنات والتحكم في آلياتها، وذلك مرجعه إلى مستوى الثقة التي بين المجتمع ومؤسساته ومراعاة المصالح المتبادلة؛ لأن الدول ليست جمعيات خيرية.  

وقبل أن اختم هذا الموضوع، تجدر الإشارة إلى أن الأزمة التي تبحث عن حل هي الأزمة الحقيقية وليست الأوهام، وكذلك الحلول لا تعد حلولا إن لم تبدأ بالإنسان ومن المنظومة التي تحكمه وتسير أمره.. فعندما نقول أزمة سكن مثلا، يعني أن الحصول على سكن منعدم أو متعذر.. ولكن عندما نقول إن الحصول على سكن ميسور بالرشوة وبالعلاقات المشبوهة وغير المشبوهة، فذلك يعني أنه لا وجود لأزمة السكن، وإنما هناك أزمة أخرى… وكذلك ما يسوق على أنه أزمة اقتصادية أو مالية، ليس صحيحا بالقدر الذي يتكلم عنه الناس، وإنما هناك مقدمات أخرى هي التي كانت سببا فيما نرى ونشاهد.

وإن ما نشاهد ونرى ليس إلا عرضا من أعراض من ينبغي علاجه، وهو مسكوت عنه بكل أسف.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • البرغماتي

    أتعرف كل هذا من زمان ولم تعتمد كالياباني على مافوق رجلاك؟ ياللخسارة!