-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الأساطير المؤسِّسة للسِّياسة الإسرائيلية

ناصر حمدادوش
  • 287
  • 0
الأساطير المؤسِّسة للسِّياسة الإسرائيلية

صدرت سنة 1997م الطبعة الأولى لكتاب “الأساطير المؤسِّسة للسياسة الإسرائيلية” للمفكر الفرنسي المسلم “روجيه غارودي”(1913م – 2012م)، وهو الكتاب الذي استوعب مجموعةً من الأساطير الصُّهيونية التي قامت عليها “إسرائيل”، والتي تمثِّل العقيدة الدينية والإيديولوجية النازية لسياساتها في المنطقة وفي العالم، وتتمثل هذه الأساطير في:

1) الأرض الموعودة لليهود في فلسطين: والتي تستند إلى خرافة التوراة المحرَّفة، في (سفر التكوين، الإصحاح 15)، فيما يُنسب إلى الرَّب قوله لسيدنا إبراهيم عليه السلام: “سأعطي نَسْلك هذه الأرض، من وادي العريش إلى النهر الكبير، نهر الفرات”(الآية:18). وهي الجغرافيا المزعومة لإمبراطورية إسرائيل الكبرى، من الفرات بالعراق إلى نهر النيل بمصر، وهي الحدود المرسومة على العَلَم الإسرائيلي بالخطيْن الأزرقيْن، والمصكوكة على العملة الصُّهيونية (الشيكل)، والمعلَّقة عند مدخل البرلمان الإسرائيلي (الكنيست).

وقد صرَّح وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، الجنرال “موشي ديان”(1915م – 1981م) سنة 1967م: “إذا كنَّا نملك التوراة، ونعتبر أنفسنا شعب التوراة، فمن الواجب علينا أن نملك جميع الأراضي المنصوص عليها في التوراة”، وقد تمَّ اغتيال رئيس الوزراء الصُّهيوني الأسبق “إسحاق رابين”(1922م – 1995م) سنة 1995م بفتوى يهودية دينية، بعد توقيعه على اتفاق أوسلو سنة 1993م، وتنازله عن أرضٍ يهودية بزعمهم، وهي (غزة وأريحا).

2) اليهود شعب الله المختار: وتستمد هذه الخرافة أصلها من أحد أسفار اليهود، وهو سفر التثنية، وقد وَرَد فيه: “لأنك شعبٌ مقدَّس للربِّ إلهك، وقد اختارك الربُّ لكي تكون له شعبًا خاصًّا فوق جميع الشعوب الذين على وجه الأرض”، ويُطلق اسم “إسرائيل” على يعقوب عليه السَّلام، وهو في التوراة بمعنى “قويٌّ ضدَّ الرَّب”، وسبب هذا اللقب كما في “سفر التكوين” صراعه مع الرَّب، فقد جاء الربُّ على صورة ملاك، وتصارع مع “يعقوب”، فقال يعقوب: لا أطلقك إنْ لم تباركني، فسمَّاه الله “إسرائيل”، ولذلك يستمد شياطين الكيان الصُّهيوني من هذا المعنى حوافز خرافية لتكون “إسرائيل” قويةً ضدَّ جميع أعدائها من الأمميين (غير اليهود).

وإيمان اليهود بأنهم شعبُ مختارٌ هي مقولةٌ أساسيةٌ في النَّسق الديني اليهودي، وهي تعبيرٌ آخر عن الطبقة الحُلُولية، والثالوث الحُلُولي مُكوَّن من: الإله والأرض والشَّعب، فيَحِلُّ الإله في الأرض لتصبح أرضًا مقدَّسة، ويحِلُّ في الشَّعب ليصبح شعبًا مختارًا، مقدَّسًا وأزليًّا، وهو ما يجعلهم فوق الإنسانية وفوق المساءلة.

3) أرضٌ بلا شعبٍ، لشعبٍ بلا أرض: يعتقد الصَّهاينة بأنهم لم يحتلوا الشَّعب الفلسطيني، لعدم وجوده أصلاً، وهذه العقيدة قد عبَّرت عنها رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة “غولدا مائير”(1898م – 1978م) سنة 1969م عندما قالت: “ليس هناك شعبٌ فلسطيني… ولم يكن الأمر أننا جئنا وأخرجناهم من الديار واغتصبنا أرضهم، فلا وجود لهم أصلاً”، وهي مسلَّمة لدى الإيديولوجية الصُّهيونية التي تقوم عليها العقيدة السياسية والعسكرية لإسرائيل، على اعتبار أنَّ هذه الأرض هي عبارةٌ عن “الوعد الإلهي”، مع أنَّ الإحصائيات الرسمية تقول في ذلك الوقت أنَّ 15 بالمائة فقط من الصَّهاينة متدينين، ومع ذلك يؤمن 90 بالمائة من الإسرائيليين بأنَّ فلسطين هي هِبَة الرَّب إليهم، وهو الرَّب الذي لا يؤمنون به أصلاً.

هذه المسلَّمة الأساسية التي صاغتها “غولدا مائير” بقولها أيضًا: “إنَّ وجود هذه الدولة هو تجسيدٌ للوعد الإلهي، ومن السَّخافة أن يطالب أحدٌ بإثبات شرعيتها بغير ذلك”.

4) العقيدة اليهودية والصُّهيونية السياسية، والمسافة بين الاثنتين: ويرى بأنَّ نزعات التزمُّت منبعٌ للعنف والحرب، وهي إحدى الأمراض الفتَّاكة في عصرنا، ويأتي هذا الكتاب ليدين بدعة الصُّهيونية السياسية، التي تقوم على إحلال “دولة إسرائيل” محلَّ “إله إسرائيل”، مع أنها مجردُ حاملةِ طائراتٍ نوويةٍ حصينة، تابعةٍ لسيِّدة العالم مؤقتًا: أمريكا، والتي وصفها “جوزيف لونز” الأمين العام الأسبق للحلف الأطلسي بقوله في الصحيفة الإسرائيلية “ها آرتس” سنة 1992م: “لقد كانت إسرائيل العميل الأقلُّ تكلفة في عالمنا المعاصر”، إلا أنَّ هذا العميل يتلقَّى أجرًا باهضًا، يتجاوز نصيب الفرد فيه 100 ضِعف ما يحصل عليه الفرد في العالم الثالث، ويحظى بحمايةٍ تامَّة من طرف الفيتو الأمريكي، للحيلولة دون صدور أيِّ قرار يدين إسرائيل أو لا يكون في صالحها، بينما يواصل قادتها ارتكاب مجازر الإبادة، وجرائم الحرب، والجرائم ضدَّ الإنسانية، لأنَّ القانون الدولي – كما يقول “بن غوريون” – مجرد قصاصة ورق.

وتتمثَّل هذه البدعة الصُّهيونية في جعل الدين اليهودي أداةً للسياسة، وذلك بإضفاء القداسة عليها، من خلال قراءةٍ حرْفيةٍ وانتقائية لنصٍّ منزَّل، هو في حقيقته “نصٌّ مُحرَّف”، مع أنَّ “الصُّهيونية” ذات الخصائص الثلاثة التي تحدِّد طبيعتها، هي مجردُ مذهبٍ سياسيٍّ علماني استعماري، أسَّسه “تيودور هرتزل” سنة 1896م بسويسرا، وأنها مذهبٌ قومي، وُلد من النزعة القومية الأوروبية في القرن 19، ولم يُولد من رحم الديانة اليهودية.

وقد أثار أحد “الحاخامات اليهود” الأمريكيين في صحيفة “واشنطن بوست” سنة 1987م زوبعةً مدوِّية عندما قال: “الصُّهيونية تريد أن تعرِّف الشعب اليهودي باعتباره كيانًا قوميًّا… وهذه بدعة”، وهو ما يفضح المشروع السياسي القومي الاستعماري للصُّهيونية، والذي لم يكن أبدًا امتدادًا للعقيدة اليهودية وروحانيتها، على اعتبار أنَّ هدف اليهودية ليس هدفًا سياسيًّا ولا قوميًّا، بل هو هدفٌ روحي.

5) المحرقة النازية: وهي من أخطر الأساطير المعاصرة، التي برَّرت إنشاء إسرائيل وشرعنت قيامها بعد الحرب العالمية الثانية سنة 1948م.

ونظرًا لاغتيال الحقيقة فيها فقد أخذت أبعادًا لامست الأسطورة والخرافة، لكونها أكثر استفزازًا للمشاعر، لسخونة المأساة ولهيب المحرقة، والتي يتمُّ تسويقها على أنها أكبر عملية إبادة في التاريخ (حرق 06 ملايين يهودي)، استغلت فيها الحركة الصُّهيونية عذابات الضَّمير الأوروبي من أجل وضع ذلك الكيان الوَهْمي “إسرائيل” على خارطة الشرق الأوسط بفلسطين، متناسين إبادة آخرين، مثل: 60 مليونًا من الهنود الحمر في أمريكا، و 100 مليون من الزنوج، وضحايا “هيروشيما ونكازاكي” باليابان، و 50 مليون خلال الحرب العالمية الثانية، 17 مليونًا فقط من السَّلافيين.

وحتى يُعطوا دلالةً لاهوتيةً خرافيةً عن المحرقة المزعومة أطلقوا عليها اسم “الهولوكوست”، وهو مصطلحٌ دينيٌّ يهوديٌّ يشير إلى القربان الذي يُقدَّم للربِّ على سبيل التضحية، ثم يُحرق على المذبح، وهو من أكثر الطقوس قداسةً لدى اليهود، ويُعتبر إطلاق هذا المصطلح عليهم ارتقاءً بأنفسهم إلى مرتبة القداسة.

بعد اجتياح إسرائيل للبنان سنة 1982م وارتكابها لمجازر “صبرا وشاتيلا” المروّعة بدأ الحديث بصوتٍ مرتفع داخل إسرائيل نفسِها عن هذا الانحراف الخطير للصُّهيونية عن اليهودية، وأنَّ الإنجاز الأكبر الذي حقَّقته على يد “بيغين” و”شارون” هو تجريد اليهود من يهوديتهم، بل تمَّ وصف تلك السياسة الإسرائيلية – أكاديميًّا – بأنها “يهودية نازية”.

إنه جوهر الصِّراع بين العقيدة اليهودية المستمدة من تراث الأنبياء ولو كان محرَّفًا، وبين النزعة الصُّهيونية القومية، القائمة على تقديس الذات ورفض الآخر.

لو عاش “غارودي” لمعاصرة ما ترتكبه “إسرائيل” اليوم في فلسطين عمومًا، وفي غزة تحديدًا، لصرخ في العالم بأنَّ البشرية فعلاً قد فقدت إنسانيتها وكرامتها، وأنها مهدَّدة من طرف هذا الكيان الصُّهيوني العنصري المتطرِّف، وقد أصبح خطرًا يهدِّد الأمن والسلام العالمييْن، وأنه يمثَّل النسخة المشوَّهة والسَّيئة للنازية.

يقول “غارودي”: “وهكذا وضعت إسرائيل نفسها منذ البداية فوق القوانين الدولية كافةً”، ويضرب لذلك مثلاً أنَّ أمريكا فرضت على الأمم المتحدة القبول بعضوية إسرائيل فيها سنة 1949م وفق ثلاثة شروط، وهي: (عدم المساس بوضع القدس، السَّماح بعودة العرب الفلسطينيين إلى أرضهم، واحترام الحدود التي عيَّنها قرار التقسيم)، ومع ذلك صرَّح “بن غوريون” سنة 1953م بقوله عن قرار التقسيم: “إنَّ دولة إسرائيل تعتبر قرار الأمم المتحدة الصادر في 29 نوفمبر 1947م باطلاً ولاغيًّا”، وبالتعريف السياسي للدولة فإنَّ إسرائيل ليست دولة، لأنها لم تلتزم بهذه الشروط، ولا تملك دستورًا، ولا تُعرَف حدودها النهائية إلى الآن، إلاَّ أنَّ ذلك مقصودًا منها، لقوله أيضًا: “فنحن في حاجةٍ إلى دولةٍ حركيةٍ مهيَّأةٍ للتوسُّع”.

إنَّ هذا الكيان الصُّهيوني العنصري النازي المسمَّى “إسرائيل”: منسجمٌ مع ذاته، في معتقداته وسياساته، وإنما اللوم يقع على المغفَّلين في كلِّ أنحاء العالم في التعامل معه على غير حقيقته، وكأنه حمامة سلام، وهو لا يستحقُّ إلا أنْ يُعامل باللغة التي يعرفها، وهي الجهاد والاستشهاد عبر المقاومة المسلَّحة، وهي القوة التي تحسم الصِّراع الوجودي معه في الميدان.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!