-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الأطراف المبتورة.. والجوارب الممسوحة!

سلطان بركاني
  • 687
  • 1
الأطراف المبتورة.. والجوارب الممسوحة!

أشارت بعض الإحصاءات أواخر العام الماضي (2023م) أنّ عدد الأطفال الذي بُترت أطرافهم في غزّة جرّاء العدوان الصّهيونيّ، منذ السابع من أكتوبر، قد تجاوز 900 طفل، بينهم من خضعوا لعمليات البتر من دون تخدير جراحيّ، كثير منهم فاضت أرواحهم من شدّة الألم.. كلّ هذا العدد خلال 3 أشهر من القصف الذي استهدف بيوت المدنيين؛ فأين يكون العدّاد قد استقرّ بعد 5 أشهر من الإبادة؟

في هذا الوقت العصيب، المتزامن مع فصلي الخريف والشّتاء، كان بعض شباب الأمّة المفتونين بالطّوائف، يخوضون معركتهم الخاصّة في تحدّي الملصقات المعلّقة عند مداخل بيوت الله لحثّ على خلع الجوارب حفاظا على نظافة الأفرشة التي توضع عليها أنوف المصلين الذين يتأذون من الروائح التي تتركها الجوارب على السجّاد.. شباب لا همّ يشغلهم في هذا الوقت الحرج الذي تمرّ به الأمّة إلا إثارة الفتن في بيوت الله وخوض المعارك المصطنعة لأجل الصّلاة بالجوارب الممسوح عليها.. لا همّ له إلا أن يثبتوا للنّاس أنّ المسح على الجوربين والصّلاة فيها سنّة يجب إحياؤها مهما تكن الظّروف، في وقت تقطّع فيه أرجل الأطفال في غزّة!

تجد شباب المساجد الخيّرين الذين لا يعرفون غير الإسلام دينا ومنهجا، يتنافسون في تنظيف أفرشة بيوت الله وربما يبيتون إلى ساعات متأخّرة من الليل ينظّفون سجّادها، ليأتي بعدها من باعوا عقولهم للتعصّب والتحزّب، ليثبتوا حرصهم على ما يرونه سنّة ارتداء الجوارب والمسح عليها والصلاة بها نكاية بالإمام الذي يعلّق تلك الملصقات التي يرونها بدعة منكرة لأنّ النبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم- مسح على الخف وصلّى به، ومسح على النّعل وصلّى بها.. فإذا ما قال لهم قائل إنّ مسجد النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- كان مفروشا بالحصى ولم يكن مفروشا بالسجّاد، اتّهموه بالعقلانيّة!

هؤلاء الشّباب ذاتهم، تجدهم هذه الأيام يتناقلون على مواقع التواصل منشورات تناقش لون القلنسوة الجائز واللون غير الجائز، في الوقت الذي تتطاير فيه رؤوس الأطفال في غزّة ولا يجد أكثرهم ما يغطّون به أجسادهم فضلا عن رؤوسهم من البرد.. أطفال غزّة يصرخون من الجوع والفزع، والمتعصّبون للطّوائف عندنا منشغلون بالحديث عن لون القلنسوة، فهي عندهم إن كانت بيضاء فصاحبها سني، وإن كانت خضراء فصاحبها صوفيّ، أمّا إذا كانت القلنسوة سوداء فمرتديها يشكّ في أنّه خارجي.

رحم الله الشّيخ محمّد الغزالي، فقد أدرك خطورة هذا الفكر في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي؛ فقام لمواجهته ونذر قلمه لكشف عواره، وكان ممّا كتب -رحمه الله- عن ضحايا هذا الفكر في كتابه “هموم داعية” أنّه قال: “سمعت جدالا بين أناس يتحدثون عن حكم لمس المرأة ولمس إحدى السوأتين، والأقوال المتضاربة في هذه القضية! فقلت لهم: هذه أحكام تُقرّر في خفوت، ويُذكر الخلاف فيها بكثير من التجاوز، وأمرها لا يستحق هذا الحماس ولا ذلك العناد! فنظروا إليّ مستنكرين! فقلت لكبيرهم: أتعرف شيئا عن السوأة الكبرى في الإسلام؟ وجاء رده بسرعة، أي سوأة؟ قلت: ضياع الإسلام في الأندلس وذهاب ريحه وانتهاء دولته ومحو حضارته! هل درستم أسباب ضياع الأندلس، وأخذتم الحيطة حتى لا تتكرر المأساة؟ إنني أدهش عندما يجيئني متقعر يسألني: هل يقضي المأموم الركعة إذا لم يقرأ الفاتحة ولكنه أدرك الإمام راكعا؟ لقد قلت لهذا السائل: الجمهور على أنه لا يقضي! فقال بسماجة: لا، يجب أن يقضي والسنة الصحيحة توجب ذلك! قلت له: ما دام يؤثر الرأي الآخر فليقض الركعة! فأراد أن ينشئ معركة علمية في هذه القضية. فقلت له بصبر نافد: إن تعلقكم بهذه الخلافات لا مسوغ له! أريد أن أسألك: التناصر بين المسلمين واجب، فكيف ينصر المسلم في إفريقيا أخاه في آسيا، هل فكرتم في ذلك، واكتشفتم وسيلة مادية أو أدبية؟”

ويقول الشيخ -رحمه الله- في موضع آخر: “كنت في مجلس قرآن، ختم القارئ فيه التلاوة بقوله: “صدق الله العظيم”، فإذا جالسٌ ينتفض كأنما لسعته عقرب يقول: هذه بدعة! قلت له: لا أبحث معك أنها بدعة أو سنة، وإنما أسألك: ما هذا الفزع؟! لكأنما سقط على رأسك حجر! الأمر ما يعالج بهذه العاصفة. اجلس.. ورأيت في أحد مساجد القاهرة رجلا تأخّرت به السن يوشك أن يضرب نفرا من الطلاب الذين صلوا ورؤوسهم عارية! أخذت على يديه، وأفهمته بشق النفس أن الرأس ليس عورة، وأن الصلاة صحيحة، وأن مسلكه خطأ، فما تركهم إلا مغلوبا على أمره، غير مقتنع بما قلت!”.

هذا الفكر الفيروسيّ الذي جابهه الشّيخ الغزالي -رحمه الله- انتشر بعد وفاة الشّيخ وزادت حدّته، لأنّ جهودا كبيرة بذلت وأموالا طائلة أنفقت عليه لينتشر في الأمّة ويخدّر قواها لتُسلم أراضيها وخيراتها لأعدائها.. إنّهم يريدون لشبابنا أن ينشغلوا بلون القلنسوة وفضيلة المسح على الجوارب ويتجنّدوا للدّفاع عن عقيدة طاعة ولاة الأمر المطبّعين مع الصهاينة، حتى يسهّلوا لليهود الوصول إلى تحقيق حلمهم في تهويد القدس وإنشاء “إسرائيل الكبرى”!

هناك دول مسلمة جُنّدت -ترغيبا وترهيبا- لتحقيق حلم اليهود، وهيئات إسلامية سيقت للغرض، وعلماء يخدمون المشروع من حيث شعروا أو لم يشعروا.. وهناك طوائف تسخّر لهذا الغرض، وشباب كثر وقعوا في حبائل هذه الطّوائف، وأصبحوا لا يشغلهم سوى همّين: الطّعن في المصلحين الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر الذين يقفون في مواجهة المشروع الصهيونيّ، وشغل الأمّة بمعارك جانبيّة في وقت تستباح فيه بيضتها وتدنّس مقدّساتها!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • بوزيد

    عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قال الرَّجُل: هَلَكَ الناس، فهو أَهْلَكُهُم». [صحيح] - [رواه مسلم الخطابي : معناه لا يزال الرجل يعيب الناس ، ويذكر مساويهم ، ويقول : فسد الناس ، وهلكوا ، ونحو ذلك فإذا فعل ذلك فهو أهلكهم أي أسوأ حالا منهم بما يلحقه من الإثم في عيبهم ، والوقيعة فيهم ، وربما أداه ذلك إلى العجب بنفسه ، ورؤيته أنه خير منهم . هذه الطائفة ومذهبها من اعطم ماابتليت الامة في هذا الزمن ولا حول ولا قوة الابالله. والله المستعان.