-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
الدخان التونسي والصوفي فلاحة تسيطر عليها المرأة الريفية

الأيادي الناعمة تزرع التبغ القاتل!

جواهر الشروق
  • 5529
  • 0
الأيادي الناعمة تزرع التبغ القاتل!
ح.م

تحت أشعة الشمس الحارقة تخرج مزارعات التبغ في المناطق الشمالية الشرقية في الجزائر إلى الحقول والمساحات الواسعة لقطف نبتة “الدخان” التي عكفت على غرسها طوال موسم كامل بعناية شديدة، هذه الزراعة التي تخصصت فيها المرأة الريفية بجدارة تعد مصدر دخل هام لآلاف العائلات الجزائرية التي حولت نشاطها من زراعة الخضر والفواكه إلى التبغ نظرا لما تجنيه من أموال طائلة.

تستغل العائلات البساتين والحقول والمساحات البسيطة الواقعة قرب المنازل في زراعة التبغ فأبسط بستان لا تتعدى مساحته مائة متر مربع يجني من ورائه ما لا يقل عن خمسين مليون سنتيم، وقد توجهت النساء في الأرياف إلى زراعة نبتة الدخان بكل أنواعه بما فيه التبغ التونسي والدخان الصوفي الموجه للاستنشاق نظرا للاستهلاك الواسع لهذه النبتة لدى كل الفئات العمرية والاجتماعية بما فيه النساء والعجائز والشباب في مقتبل العمر، حيث يصل سعر الكيلوغرام الواحد من الشمة المطحونة إلى حوالي 1600 دينار، ويعود تخصص المرأة في هذه الزراعة الصعبة والشاقة إلى قوة تحمل النساء متاعب إنتاجها وقوة صبرها والاعتناء بها طوال السنة للحصول على منتوج سليم وموجه للاستهلاك.

ففي ضواحي مدينة قالمة، سوق أهراس، سكيكدة إلى غاية الحدود التونسية، تسود نبتة الدخان على  مساحات زراعية هامة تقدر بمئات الهكتارات تزرع دون ترخيص وبطرق جد تقليدية  متعبة وتحتاج إلى قوة تحمل شديدة، فنبتة التبغ تحرق المساحات الزراعية وتحولها إلى تربة غير صالحة لباقي الزراعات الأخرى كما ترهق المرأة المزارعة وتؤثر على صحته، نتيجة ما تطلقه من مواد كيمائية كالنيكوتين ، كما تعرض المرأة صحتها الى أخطار كبيرة نتيجة تعرضها إلى مواد خطيرة تستعمل في السماد العضوي أو الأسمدة الكيماوية كالسولفات البوتاس، وفوسفات ثلاثي. 

 

لقد أطلعتنا الحاجة “مبروكة” وهي إحدى مزارعات التبغ في ولاية قالمة منذ أربعين عاما، أنها تصنع الشمة الموجهة للاستهلاك العائلي بالدرجة الأولى لكنها وسعت مساحة إنتاجه إلى بستانين الأول يقع في “وسط الدار” والأخر في مساحة استأجرتها من احد الفلاحين، وبفعل التجارب والسنوات أصبحت تنتج الشمة بكميات كبيرة تبيعها لأصحاب الأكشاك في شكل أكياس صغيرة تزن مائة غرام للكيس، لكنها تقول أن زراعة التبغ التونسي، بكل أنواعه متعبة وفيها الكثير من العمل الشاق، ابتداء من تحضير المشاتل وهي عملية جد دقيقة تتوقف عليها نوعية الدخان، وأن نبتة التبغ سهلة التلف وبحاجة إلى عناية خاصة من الأعشاب الضارة والفطريات والعفن الأزرق الذي يصيب الأوراق في مرحلة النضج، أو عفن الجذور أو الساق مما يجعل المرأة أكثر دراية وحرصا على نبتة التبغ من الرجال فالمرأة بطبعها صبورة ومكافحة وشديدة التحمل عكس الرجل الذي لا يملك طول البال لزراعة التبغ لكنه يملك شغف استهلاكه والإنفاق عليه، وقد تعلمت طريقة زراعة الدخان منذ سنوات وراثة من جدتها التي فارقت الحياة وهي عجوز ولم تغادر بساتين التبغ منذ شبابها وهي مدمنة استنشاقه منذ أن كان عمرها عشرون عاما، وفي كل مرة تتعلم الكثير عن هذه النبتة السحرية التي لا يستغنى جل الجزائريون عن استهلاكها بكميات كبيرة، وتضيف آن زراعة المشاتل يتم في الصباح الباكر في درجات حرارة باردة دون رطوبة، ويتم حمايتها من الرياح بوضعها في بيوت أو صناديق ترتفع قليلا عن سطح الأرض وتسمى ب”المسكبة” وهي مكان أو مربع تغرس فيه الشتائل وتغطى بالبلاستيك الشفاف وتضاف لها الأسمدة العضوية التي يتم تحضيرها من بقايا الحيوانات وتخمر في مناطق رطبة، وتقول الحاجة مبروكة أن المشاتل يجب أن تغرس من الشرق إلى الغرب في شكل أحزمة طول كل واحد منها خمسة أمتار وعرضها متر واحد وتضاف إليها السماد العضوي القديم.

وتنقى الأوراق واحدة تلو الأخرى فنبتة التبغ تنمو في شكل درجات من الأوراق تنزع الأولى ثم الثانية ثم الثالثة  حتى تستمر الورقة الكبيرة في النمو والعيش وتعطي نتائج جيدة، تشكك الأوراق الناضجة التي يميل لونها إلى الاصفرار في سلك طويل ثم تعلق في سقف في مكان بارد غير رطب ومظلم وتحرص العائلات على بناء مستودعات بالطوب خاصة لتخزين أوراق التبغ حتى تجف، أو توضع فوق التبن في شكل صفوف أوراق يغطى كل صف بالقش أو التبن في شكل طبقات معزولة بشرط أن تلامس الأوراق بعضها البعض إلى غاية مرحلة التجفيف.

وتجمع النساء في الأرياف إن زراعة التبغ مربحة ووهي الدخل الرئيسي لآلاف العائلات نظرا لأرباحها لكنها زراعة “قاتلة” نظرا للعمل الشاق في الحقول المكشوفة تحت أشعة الشمس، كما إن نبتة التبغ تحتاج إلى عمل مستمر منذ تحضير البذور إلى المشاتل ثم السقي المستمر وإزالة الشوائب والحشائش الضارة فهي نبتة سهلة التلف والتعفن.

يذكر أن العاملات أو مزارعات التبغ هن مدمنات “دخان” بالدرجة الأولى ولا يتمتعن بصحة جيدة فهن نحاف الأبدان ووجوههن كثيرة التجاعيد رغم صغر سنهن، واستطعن بهذا النشاط أن يساعدن في دخل العائلة وتحمل تكاليف زواج الأبناء والبنات، حيث تقول السيدة مبروكة أنها زوجت سبع بنات من عائدات التبغ وهي تنوي أن تحج أو تعتمر لكن الكثير من الأقارب “أفتوا” لها بعدم جواز الحج أو العمرة من أموال المتاجرة في التبغ..

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!