-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الإسلام في فرنسا: أنا مؤمن، إذا أنا موجود

الإسلام في فرنسا: أنا مؤمن، إذا أنا موجود

مقولة ذات معنى عميق، ورثناها كابرا عن كابر، ورواها الخلَف عن السّلَف، وهي تلك التي تنسب إلى الإمام المصلح الشيخ محمد عبده. لقد نقل عنه قوله: “ذهبت إلى أوروبا، فوجدت الإسلام ولم أجد المسلمين، وجئت إلى بلاد المسلمين، فوجدت المسلمين، ولم أجد الإسلام”.

وأيا كانت درجة صحة النقل في هذه المقولة، وأيا كانت مصداقية الحكم عليها، فإن ما يستوقفنا فيها، هو العودة القوية إلى الذات الحضارية لدى المسلمين في الغرب، فقد بات يؤكد هذه الحقيقة، مجموعة من المعطيات، أولها مظاهر التدين، التي تميز الجالية المسلمة ممثلة في بناء المساجد والإقبال عليها، وثانيها الوعي بكينونة الوجود الحضاري للمسلمين، وثالثها التمظهر بالمظهر الإسلامي مبنى ومعنى، مظهرا ومخبرا، وآخرها ردود الفعل المضادة التي تبرزها المواقف المعادية من جل التظاهرات الإسلامية، من طرف الساسة الأوروبيين، على اختلاف انتماءاتهم، يمينا ويسارا، حكاما ومعارضين.

فالمتتبع للمد الإسلامي في أوروبا، وما يقابله من جزر مضاد تعكسه المواقف المتشنجة للطبقات السياسية والإعلامية من هذا المد الإسلامي، يرى بجلاء مدى نجاح المسلمين في إثبات وجودهم الحضاري.. ذلك أن الراصد للتطور الحضاري الإسلامي في الغرب، وما صاحبه من إسلاموفوبيا، مترجمة في الحملة المعادية ضد رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، والرسوم المشينة له عبر مختلف وسائل الإعلام الأوروبية، والكتابات الفاشية التي ترسم على جدران المصليات والمساجد، إن هي إلا إعلان عن ضيق الأفق، وضيق الأنفس، وبضدها تتميز الأشياء كما يقول المثل العربي.

فقد أتيح لي أن ألمس _بالتجربة- بعض هذه المواقف، عندما أدعى إلى المشاركة في بعض التظاهرات الثقافية، وأعطي أمثلة على ذلك، من ثلاث مناطق، هي جنوب فرنسا، ومدينة ايستر Istres بالذات، ومن وسط فرنسا، وضاحية لوبورجي Le bourget تحديدا، وشمال فرنسا، ومدينة ليل Lille تخصيصا.

ففي مدينة إيستر بجنوب فرنسا، أعد الله للعمال المسلمين، فتية مسلمين، آمنوا بربهم، وزدناهم هدى، فهم يعملون، في كل مناسبة، على تنظيم أنشطة ثقافية إسلامية لتوعية المسلم بحقيقة دينه، وفهمه الصحيح للشعائر في جو من التسامح، والتعاون، والانفتاح على الآخر، وقد شجعهم على هذا بعض العقلاء في السلطة المحلية، الذين يشجعون على هذا النشاط، بالعون المادي والمعنوي، ولاسيما بحضور التظاهرات، وإلقاء الكلمات التشجيعية.

إن هذا النجاح هو الذي دفع ببعض المنحرفين، المتطرفين إلى العدوان على المركز الإسلامي في مدينة “إيستر” الذي يقوم بهذا النشاط.

فإذا انتقلنا إلى العاصمة الفرنسية، وبالذات إلى اللقاء السنوي الكبير الذي يعقده اتحاد المنظمات الإسلامية، بضاحية “لوبورجي”، ويحضره عشرات الآلاف من المسلمين وغير المسلمين، ويدعى إليه صفوة من كبار علماء ومفكري العالم الإسلامي، إن هذا التجمع، بعد أن أثبت نجاحه، قد أيقظ مضاجع بعض الساسة والإعلاميين، مما أدى إلى رفض إعطاء التأشيرة إلى بعض هؤلاء العلماء، من أمثال الشيخ يوسف القرضاوي، والشيخ صفوت حجازي، وبعض مشايخ السعودية. فقد صاحب هذا المنع، هجوم إعلامي شديد على اللقاء، إلى حد طالب معه دعاة اليمين المتطرف إلى إلغائه تماما. والحقيقة أن لقاء السنة الماضية الذي صاحبته هذه الحملة العدائية، قد كان لقاء فكريا، حضاريا، يصب كله في صياغة خطاب إسلامي معتدل، يقوم على فهم صحيح للإسلام، ووعي صريح بحقيقة التعايش مع الجميع.

وقدر لي هذه السنة أن أشارك في الملتقى السابع لمسلمي الشمال الفرنسي المنعقد في مدينة ليل” الجميلة، والذي يحضره الآلاف من المسلمين وغير المسلمين.

لقد خصص لقاء هذه السنة لموضوع هام عنوانه: “الرسول محمد صلى الله عليه وسلم خطاب شمولي”، ودعي إليه نخبة من العاملين المتميزين في الحقل الإسلامي، كما وجهت الدعوة إلى عميدة بلدية المدينة الاشتراكية، فاعتذرت عن الحضور، معللة غيابها بوجود المتطرفين من الحاضرين، وأشارت تحديدا إلى المفكر السويسري طارق رمضان، والمفكر المصري الدكتور سامي صلاح.. وسبق أن منع في لقاء سابق، من الحضور الدكتور عكرمة صبري، مفتي القدس، لكونه وهو الفلسطيني، حث الشباب الفلسطيني على العمل من أجل الحفاظ على القدس.

إن هذه النماذج من المواقف إزاء  المسلمين، لتعكس مدى عمق الصراع الحضاري الدائر بين الجاليات المتساكنة في أوروبا، والعقبات والأشواك المزروعة في طريق إدماج الجالية المسلمة في الوطن الأم.. كما أن هذه المواقف المعادية من جانب بعض المتطرفين قد أدت إلى إنضاج فكرة الوعي بالذات لدى المسلم الفرنسي،  الذي أخضع كل التجارب الفكرية السائدة للتحليل، ومنها ما يعرف “بكوجيتو”، أبي الفلسفة الحديثة روني  ديكارت، القائلة: “أنا أشك، إذن أنا موجود”، فحولها المسلمون إلى حقيقة هامة، وهي: “أنا أؤمن، إذن أنا موجود”.

هكذا _إذن- فقه إخواننا المسلمون في فرنسا معنى الإيمان، ومعنى التدين. فهم لم يحبسوا الإيمان  والتدين، في صلوات خمس تُقام، وفي أيام معدودات تُصام، وفي عمرة أو حج كل عام، وفي صدقات أو زكاة تقدم للأيتام، وإنما أضافوا إلى ذلك، سلوكا نموذجيا، في جميع شعاب الحياة، أسوة بخير الأنام، وصحابته الكرام، وهو ما أكسبهم مزيدا  من المهابة، لدى الجميع، وذلك هو معنى أن التدين إثبات وجود. 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • mouloud

    (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون) صدق الله العظيم ، إذا، كلنا إخوان في الله وإخوان مصر وإخوان حسن البنا كلهم إخوان لنا في دين الله الإسلام الوسط المعتدل ، هم رجال جاهدوا في سبيل الله حتى أتاهم اليقين حيث لا رجعت ولا التوقف في وسط الطريق، هم يعلمون أنهم على يقين، أما الذين يدعون أن الدين الصحيح هو الرجوع إلى 14 قرن إلى الوراء ونلغي كل ما من حولنا من جديد فذلك ضرب من الجنون والجمود.

  • ي. ابن لحسن

    الذي لا يتورّع في مساندة سياسة ملكه في الصحراء الغربية.
    سيّدي الكريم أظن أن دولا عربية كثيرة سترفض دخول القرضاوي أرضها بعد أن ظهر منحازا كليّا لسياسة قطر وأداتها الإخوان.
    هل يرضى العالم الرباني أن يفتي علانية وصراحة في التلفزيون بقتل زعيم عربي؟ لا أظن ذلك، ولو اختلفنا معه في كلّ الميادين.
    فهذا القرضاوي هو زعيمهم الروحي هنا في فرنسا!

  • ي. ابن لحسن

    ...ومن يريد معرفة خلفية تواجد الإخوان في أوروبا، أنصحه بكتاب الصحفي إيان جونسون:مسجد في ميونيخ.
    فالإسلام العادي الي يتقبل الآخر ويحترم عقائد الآخرين، غير الإسلام الحركي المرتبط بأجندات خارجية، تخرج من مكتب المرشد في القاهرة.
    وكم من انتقادات وجهوها إلى عميد مسجد باريس لأنه لم يسايرهم في بعض الأجندات.
    فعمدة ليلM. Aubry مثلا ليست عنصرية بدليل أها كانت يوما خلف المسبح غير المختلط في Lille Sudو تمنح فرعا إسلاميا مغربيا آخر قاعة ضخمة وهي ما يسمى معهد ابن سينا، يشرف عليه"م.بشاري"الذي لا يتورع في...

  • ي. ابن لحسن

    سيّدي الكريم إن ما يحدث هنا صحوة إسلامية على الطريقة الإخوانية، و ما اتحاد المنظمات إلّا الغطاء. علاقاتهم ببعض الدول كالكويت والسعودية وبدرجة أكبر قطر تثير الخوف. والأدهى والأمرّ، مثلا هنا في شمال فرنسا تسود ظاهرة ما أسميه "المَغْرَبة الإخوانية"، أي حتى ترضى عليك الجماعة ومثلا تدمجك في مؤسساتها يجب أن تكون إخوانيا ومغربيا. السيطرة المغربية هنا في الشمال مثلا شبه تامة، وعلى رأسهم كما تعلم "عمر لصفر".
    ففرق كبير بين الإسلام التعبدي الحيادي، والإسلام الحركي الإخواني.

  • kamel

    salam outadi el mouhtarem baraka allahou fikoum wa seddad khotakom.wa adamak SAWT EL HAKK pour nous tous