-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الإلهاء الكبير

حسان زهار
  • 355
  • 0
الإلهاء الكبير

بينما تصنع الأمم والشعوب العظيمة حاضرها ومستقبلها بيدها، وتخط أسماءها بحروف ذهبية في سجل التاريخ والتطور، لا أدري لماذا نصر في الجزائر، على صناعة الإلهاء، وتحويل الأنظار من القضايا الأساسية العظيمة والخطيرة، على حاضر ومستقبل بلدنا، إلى قضايا هامشية تافهة، هدفها الرئيس والأساسي، هو إبقاءنا في حفرة التخلف، عبر اجترار القضايا السخيفة.

لقد أعادت قضية حذف البسملة من الكتب المدرسية، التي فجرتها كالعادة الأخت بن غبريط، الجدل مجددا في قضايا الهوية المفتعلة، عبر الدفع ناحية الاستفزاز الممنهج، للغالبية العظمى من الشعب، وهي نفسها التي كانت بالأمس، وراء التلويح بتدريس العامية، في الأطوار الابتدائية، ووراء تحويل الكتاتيب القرآنية إلى مدارس الطور التحضيري، ومن قبل كل هذا وذاك، وراء حذف أكبر قدر ممكن من المواد الدينية، بدعوى أنها وراء تخريج أجيال من الارهابيين وغير ذلك.

كما شهدنا ظواهر أخرى لا تقل عن سابقاتها من ناحية السطحية بغرض الإلهاء، كظهور ما يسمى الأحمدية، ثم ظهور “الكركرية”، وإعلان حكومة بالخطأ، واستوزار وإقالة وزير في أوقات قياسية… الخ.

مثل هذه المعارك الوهمية، التي لا طائل من ورائها سوى الإلهاء والتعمية عن القضايا الأساسية، كالحريات والتنمية والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، من الواضح أن خيوطها جميعا تأتي من الخارج، عبر ما تفرضه المنظمات الدولية، على الدول العربية، والتي باتت جميعها تقريبا، تتخبط في ذات الإشكاليات (الهوياتية)، بفعل مخطط كبير، يهدف إلى تركيع الأمة، وجرها جرا، نحو قضايا لا تهمها على حساب قضايا أكثر خطورة، تهدد الأمة في وجودها، من قبيل الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وقضايا الثورة المضادة، وتقسيم الدول وزعزعة استقرارها، كما حصل للسودان، ويحصل اليوم للعراق وسوريا وليبيا واليمن وغيرها.

والسؤال المثير حاليا، ما الذي يضير وزارة التربية في وجود البسملة في الكتب المدرسية من عدمه؟ هل البسملة، وهي ذكر اسم الله الجليل، تشكل خطرا أيضا على منظومة معينة، أم أن الهدف هو نزع ما تبقى من بركة بهدف علمنة كل شيء، وتسليم مفاتيح الأجيال المقبلة كليا للشيطان؟

بطبيعة الحال، لن يكون الرد واضحا أبدا، لأنه كما تعودنا، سيخرج علينا المسؤولون بردود غائمة، مرة تتحدث عن كون ذلك هو مجرد إشاعات، أو أنه من صنيعة أطراف خبيثة لا تحب الاستقرار والرخاء للبلد، أو أن ما جرى كان مجرد خطأ مطبعي، وأن من ينددون بذلك يمارسون النفاق السياسي والمزايدة.

المهم في العملية برمتها، هو إلهاء الناس عن قضاياهم الحقيقية، وإدخالهم في معارك دونكيشوتية، الفائز فيها كالمنهزم، لا يعرف لماذا دخل المعركة، ولا كيف خرج منها، بينما البلاد تسير في صمت نحو الهاوية، ومعها تسير الأوضاع الاقتصادية والسياسية والثقافية نحو مزيد من التردي والانحطاط، دون أن تكون هنالك خطط للإنقاذ، أو يكون مجال لطرح ذلك، لأن المجال كله، أخذته المعارك الوهمية، وقد أدت دورها بامتياز.

غير أن الخطر الكبير الذي لا ينتبه له الكثيرون، أن مثل هذه المعارك المفتعلة، ومع تراكم السنوات، تصبح حربا ضد الأخلاق العامة، ولا يكاد يمضي جيل أو جيلين في أتونها، إلا وقد سقط الوعي من داخل الأمة بالضربة القاضية، لنجد أنفسنا أمام أجيال مستلبة بالكامل، كل همها أن تضع (الكيراتين) فوق رأسها، وتضع سماعة الهاتف في الأذنين، ثم تتمايل في الطرقات، كمن ضربهم الجن، هذا هو الهدف، والمصير والنهاية القاتلة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!