-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الإمام وليد مهساس والقطة.. دلالاتٌ وعِبر

محمد بوالروايح
  • 1453
  • 0
الإمام وليد مهساس والقطة.. دلالاتٌ وعِبر

تلجأ جمعيات الرفق بالحيوان إلى تجنيد جيش من المؤثرين للقيام بالترويج الإعلامي لخدماتها وتنفق في سبيل ذلك أموالا طائلة، وفي النهاية قد تحقق مرادها وقد تخيب في مسعاها لأنها تعتقد أن ثقافة الرفق بالحيوان مجرد فكرة يمكن غرسها في نفوس الناس في حين أنها أوسع من ذلك، فهي فطرة في النفس يكفي لإيقاظها إحساسٌ مرهف بعيد عن التكلف، وقد لمسنا هذا في تصرف الإمام وليد مهساس مع هرّة اعتلت كتفه وهو يؤمُّ الناس في صلاة التراويح في مسجد من مساجد برج بوعريريج.

لقد قرر الإسلام هذه الحقوق قبل أن يتبناها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق جمعيات الرفق بالحيوان، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: “كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تفرش، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “من فجع هذه بولدها؟ ردُّوا ولدها إليها”.

هذا التصرّف كسب به وليد مهساس محبة الناس في العالم بأسره، مسلمين ومسيحيين وعلمانيين وغيرهم، فقد نشرت مواقع التواصل الاجتماعي ونقلت القنوات الفضائية صورة هذا الإمام وهو يعامل القطة بلطف وتبادله هي الإحساس ذاته في مشهد إنساني رائع يغيظ المتحاملين على الإسلام الذين يتَّهمونه بأنه دينٌ يدوس على حقوق الإنسان والحيوان على سواء.

لقد تخطت القطة رقاب المصلين إلى المحراب واعتلت كتف الإمام وقفزت قبل ركوعه ثم انصرفت كمن ينجز مَهمَّة ثم يمضي. لقد ظننا أن صدى هذه الحادثة لن يجاوز أسوار المسجد أو مدينة البرج وما حولها أو حدود الجزائر على أقصى تقدير، فإذا بصداها ينتقل في ربوع العالم كله بسرعة البرق وتتحول الحادثة إلى حدث عالمي يتصدر كل نشرات الأخبار والصحف والقنوات وتحصد الحادثة أكبر نسبة مشاهدة على اليوتيوب.

تعامُلُ الإمام وليد مهساس مع القطة تذكيرٌ للأمة جمعاء بالوصية النبوية الجامعة من حديث مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا يُنزع من شيء إلا شانه”، وفي رواية أخرى لمسلم عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله رفيقٌ يحبُّ الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على ما سواه”. وفي تعامل الإمام وليد مهساس تذكيرٌ بالتحذير النبوي من حديث البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما: “دخلت امرأة النار في هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض”.

إن دعوة الآخر إلى الإسلام قد تكون بخطبة مؤثرة وقد تكون أيضا بمعاملة حسنة وكلمة طيبة كما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه: “إنكم لا تسَعون الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسطُ الوجه وحُسن الخُلق”. وتشمل المعاملة الحسنة -علاوة على الإنسان- الحيوانَ أيضا، ومن المعاملة الحسنة للحيوان إطعامه وعدم القسوة عليه، ففي الحديث الذي رواه أبو داود رضي الله عنه عن سهل بن الحنظلية قال: “مر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعير قد لحق ظهرُه ببطنِه، فقال: “اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة، فاركبوها صالحة وكلوها صالحة”.

من مظاهر الإعجاز التشريعي في الإسلام أنه نظام شامل، يهتم بحقوق الأحياء والأموات وبحقوق الإنسان والحيوان. لقد قرر الإسلام هذه الحقوق قبل أن يتبناها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق جمعيات الرفق بالحيوان، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: “كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تفرش، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “من فجع هذه بولدها؟ ردُّوا ولدها إليها”.

لقد صنعت حادثة الإمام وليد مهساس مع القطة الحدث واستحسنها كثيرون عبر العالم فأشادوا بها وكتب بعضهم تقريظا في حق هذا الإمام، ومن ذلك ما جاء في موقع “سي أن أن” الأمريكية: “ظهرت قطة تستمتع بقراءة الشيخ وليد مهساس في الجزائر. كان وليد يصلي التراويح وهي صلاة ليلية تحدث كل مساء في شهر رمضان المبارك”. وأقول تعليقا على ما جاء في موقع “سي أن أن” نرجو أن تصحِّح هذه الأخيرة نظرتها الخاطئة إلى الإسلام وتقتنع من خلال هذه الحادثة بأن الإسلام دين التعايش وليس دين “داعش” ودين التسامح وليس دين العنف ودين التقارب وليس دين الإرهاب. وغرّدت الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي وكتبت عن الحادثة: “سبحان الله، في لقطةٍ طريفة قط يقتحم المحراب ويفاجئ الإمام بولاية برج بوعريريج بالجزائر في أثناء قراءته القرآن في صلاة التراويح، يصعد فوق كتفه يداعب وجهه ثمّ يقفز مغادرا قبل السجود”.

ما فعله الإمام وليد مهساس مع القطة يحمل رسالة إنسانية قوية ومعبِّرة بأن الرفق بالحيوان مظهرٌ من مظاهر الشريعة الإسلامية، وبأن تعذيب الحيوان سلوكٌ إجراميٌّ ينمُّ عن قلب قاس ونفس إجرامية لا تعرف الرحمة كما قرأنا قبل عام أو يزيد عن مواطنٍ مغربي أخرج قطة من عجلة سيارة مركونة وطفق يضربها ويركلها بطريقة بشعة ومقززة ثم رطم رأسها بالحائط حتى فارقت الحياة. وما فعله الإمام وليد مهساس يحمل رسالة إلى الغرب المتحامل على الإسلام بأن صورة الإسلام تُؤخذ من النماذج الحسنة ولا تؤخذ من النماذج السلبية.

وأودّ في نهاية هذا المقال أن أوجه ثلاث رسائل: رسالة إلى الإمام وليد مهساس ورسالة إلى ساكنة برج بوعريريج، ورسالة إلى الجزائريين. رسالتي إلى الإمام وليد مهساس أن يكفيك فخرا أنك لفتت اهتمام القاصي والداني واحترام العالم كله بحركة عفوية تفيض رحمة وإنسانية، فقد أصبح اسمك على كل لسان وهذا هو القبول، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله تعالى إذا أحب عبدا دعا جبريل، فقال: إني أحب فلانا فأحببه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء، فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض”.

ورسالتي إلى ساكنة برج بوعريريج أن مدينتكم عُرفت عبر التاريخ بَأنها مدينة الحفاظ والمقرئين والمحسنين، وقد شاء الله تعالى أن تنتقل هذه الصورة المضيئة من خلال هذه الحادثة إلى العالم كله ليعرف العالم ما في هذه المدينة العامرة من خيرات وبركات، فحسبُها فخرا أنها مدينة العلامة محمد البشير الإبراهيمي، فمن أولاد براهم بدأ الشيخ مشواره التعليمي حتى أصبح مرجعا في الأدب وعلوم الدين.

ورسالتي إلى الجزائريين أن الجزائر هي وطن المحبة وهي شامة في جبين الأمة العربية والإسلامية، هي مهدكم وأرضكم وعنوان وحدتكم فلا تنشغلوا عنها بغيرها فقد مدحها عبد الرحمان الثعالبي بقوله:

إن الجزائر في أحوالها عجبُ  ولا يدوم بها للناس مكروه

ما حلّ عسرٌ بها أو ضاق متّسعٌ   إلا ويسرٌ من الرحمن يتلوه

ومدحها الشيخ عبد الحميد بن باديس في جريدة “الشهاب” بقوله: “إن الطينة الجزائرية طينةُ علم وذكاء إذا واتتها الظروف”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!