الرأي

الإمام يحل المشاكل.. ولا يعقّدها!

لا أحد يصدّق بوجود العنصرية العرقية في الجزائر، صحيح أن البلد يئن بأمراض اجتماعية ونفسية خطيرة، تتحوّل أحيانا إلى عشائرية أو جهوية بغضاء، وتتغلب فيها المادية والمحسوبية والمصلحة الخاصة الهوجاء، ولكن أن يقال إن التعامل ما بين الأفراد يتم على حسب لون بشرتهم، فذاك ما لا أحد يصدقه، وإن حدث فمجرد أمر شاذ، لا يمكن القياس عليه، ومن المفروض عدم ذكره إطلاقا، أو على الأقل التعامل معه من باب القافلة تسير، ومرضى النفوس ينبحون.
وقفة الاحتجاج السلمية التي قام بها أكثر من خمسين إماما من أهل الجنوب الذين يعملون في سوق اهراس، واللافتات التي حملوها لإدانة ما سموه بالعنصرية، وتهديدهم بالاستقالة الجماعية من إمامة الناس، أخذت منحى خطيرا على مواقع التواصل الاجتماعي، وسافرت إلى دوائر أجنبية، راحت تصف الجزائريين بأسوأ النعوت.
الأئمة أنفسهم يعلمون بأن سوء التفاهم حصل مع سيدة موظفة، هي لا تمثل إلا نفسها، وربما لا تمثل حتى نفسها، وكان بمقدورهم الدفع بالتي هي أحسن، فإذا كان الذي بينهم وبينها عداوة، كأنها ولي حميم، وكان بوسعهم مجادلة هذه المخطئة بالتي هي أحسن، كما نصح كتاب الله، وواضح أن الخمسين إماما يغلبون بالحجة سيدة مخطئة، وقد يردّوها إلى جادة الصواب، لكن أن يصل الأمر إلى التهديد بالاستقالة وترك بلديات ولاية سوق اهراس وقراها، وتحويل الحادث الشاذ إلى قضية رأي عام، فإن المشكلة ستتعقد أكثر ولن تُحل أبدا، بدليل ما نقلته بعض الجهات التي سبق لها وأن حاولت تدويل ضرب طفل إفريقي في عنابة، وسقطة “فايسبوكية” في ورقلة، وشغب في مباراة مولودية العاصمة وشبيبة القبائل التي جرت في قسنطينة.
نعلم جميعا أن الاستعمار ضرب في كل المناطق وردّ عليه أهالي كل المناطق، وحتى الذين “يتعنترون” ويزعمون رفع راية الدفاع عن أهل الجنوب مخطئون، فلا أحد ظلم أهل الجنوب أو نظر إليهم بعنصرية مقيتة، وإنما هي عجلات السلطة “الخبط عشواء” التي دهست الجميع، فحوّلت عاصمة البلاد إلى قرية منفوخة، ومسخت القرى من براءتها، ونست أن الجنوب ليس بئر بترول فقط، فمسّ الظلم الجميع ولكن بدرجات من باب: بعيد عن العين بعيد عن القلب، فشهدت ورقلة ثم سوق اهراس، احتجاجا، يضاف إلى خمسة عشر ألف احتجاج تشهده الجزائر في كل سنة، وأكثر من تسعين بالمائة منها في ولايات الشمال، التي تسجل أكبر نسبة من الهجرة السرية والانتحار والجريمة وتعاطي المخدرات والمحسوبية والجهوية.
ويحفظ الأئمة المحتجون قصة الرجل الذي سبّ أبا بكر الصديق في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف صمت أبو بكر وصمت رسول الله، وكان بمقدورهما توقيفه عند حدّه، وعندما ردّ الصديق على استفزاز الرجل قام النبي من مكانه، وأعلم صاحبه بعد ذلك بأن الملائكة هي التي كانت تردّ في صمتهما، وعندما تولى أبو بكر الردّ، حضر الشيطان، فقام رسول الله من مكانه.
لا شك أن الموظفة “العنصرية” ارتكبت جريمة في حق نفسها، قبل أئمة الجنوب، لكن إذا ردّ كل مواطن خاصة إذا كان برتبة إمام أو أستاذ بالاحتجاج على مثل هذه الاستفزازات، وما أكثرها فإننا “سننقش الأذى على الصخر، ونكتب المعروف على الرمال”، عكس النصيحة الصينية الشهيرة.

مقالات ذات صلة