الرأي

الإنجليزية.. هل هي سبب تخلّفنا العلمي؟

نعتقد أنّ ما كشفه مؤخرا وزير التعليم العالي والبحث العلمي، بشأن معدل التحكم في اللغة الانجليزية بين أساتذة الجامعات، يشكل رقما صادما في مستوى الدراسات العليا المعمقة، ولعله من أسباب تواضع نتائج البحث العلمي في بلادنا، ويتعلق الأمر بكون 1000 أستاذ جامعي جزائري فقط يتقن اللغة الإنجليزية، من مجموع 62 ألف مكوِّن، ما يعني أنّ 98.4 بالمئة غير منفتحين على الإنتاج المعرفي عبر العالم ولا يعلمون ما يجري فيه من تطورات إلا عبر الترجمة المتأخرة في حال توفرت مراجعها.

إنّ هذا الوضع غير المقبول يدفع فعلاً، مثلما شدد الوزير عبد الباقي بن زيان، إلى حتمية تعميم اللغة الانجليزية من خلال تكوين داخلي وخارجي للأساتذة والطلبة.

لذا وجب أن نتوقف حالاً عن المراوحة والتردُّد في حسم مسألة الانتقال اللغوي من الفرنسية إلى الإنجليزية، بعد ما كنّا نظن، إثر اندلاع حراك 22 فبراير 2019، أنّ الجزائر ستتجاوز الارتهان للغةٍ آيلة للزوال بالنسبة للبحوث الدقيقة على الأقلّ.

وقد ظهرت وقتها بوادر إيجابية للتقدم على طريق التحرر اللغوي من خلال إجراءات وزارية كثيرة، لعلّ أبرزها عملية سبر الآراء التي أطلقتها وزارة التعليم العالي حول تعزيز استعمال اللغة الإنجليزية في  الوسط الجامعي، والتي انتهت إلى الموافقة بالإيجاب لـ94.3 بالمئة من إجمالي المشاركين في الاستفتاء.

وتبع ذلك إعلانُ وزارة التربية عن إلغاء الفرنسية من امتحانات ترقية المستخدَمين، مقابل إدراج الإنجليزية ضمن مسابقات التوظيف.

كما قرّر وزيرُ العمل الأسبق، تيجاني حسان هدام، التكوين باللغة الإنجليزية بالمدرسة العليا للضمان الاجتماعي في موسم 2020، ولا ندري إن كان الأمر قد تمّ أم لا؟

لكن المفاجأة التي صدمت المتحمِّسين من النخبة المدافعة عن إحلال لغة شكسبير محلّ لغة فولتير، هو توجُّه الوزير السابق للقطاع، شمس الدين شيتور، يوم صرّح أنه “لا يهتمّ بلغة تلقين العلوم، بل الأهم بالنسبة إليه هو المحتوى، سواء كان باللغة الفرنسية أو الإنجليزية”، وكان ذلك بمثابة إعلان وفاة صريح لمسعى الوصاية في عهد سلفه الطيب بوزيد.

إنّ هذا التردُّد، بتعاقب الوزراء وتغيّر الحكومات والسياقات السياسية، في تكريس اللغة الإنجليزية ضمن طور الدراسات الدقيقة من أسباب تأخّر التطوّر العلمي في الجزائر، ولا داعي لتقديم الإحصاءات التي تزخر بها الشبكة العنكبوتية حول مؤشرات الإنتاج المعرفي وفق اللغات المستعمَلة.

لم يعد مقبولا أن يظل واقعُ البحث العلمي في بلادنا متخلفا قياسا إلى إمكاناتها المادية والبشرية الهائلة، فقد سجلت هذا الموسم مثلا 1.8 مليون طالب جامعي، يتوزّعون على 110 مؤسسة تعليم عالي، استفادت من 2.9 مليارات دولار، وبها 1564 مخبر بحث، منها 30 مصنفة في درجة الامتياز، إلا أنّ تصنيفات الإنتاج العلمي الدولية لا تزال تضعها في مراتب بعيدة.

لقد كشفت الوزارة الوصيّة نفسها، في آخر إحصاء، أنّ 90 مجلة علمية فقط، من أصل 500 مجلة معتمدة في الجزائر، لديها المقاييس العلمية المعمول بها دوليا.

أما من حيث نسبة الاقتباسات من البحوث العلمية، فيصنّف مؤشر “آر أس جي” الجزائر بعد المغرب وسوريا والعراق بنسبة 0.52 اقتباساً لكلِّ بحثٍ علميٍ.

بينما وضع مؤشر “نيتشر”، المهتمّ بعدد البحوث المنشورة عالية الجودة، ثماني جامعات جزائرية فقط على قائمته عام 2020.

بل تؤكِّد دراسةٌ للباحث الجزائري في العلوم الفيزيائية الدقيقة بالإمارات، البروفيسور نوَّار ثابت، إلى أن معدل إنجاز الجامعي الجزائري هو الأدنى، مقارنة بالدول العربية، بـ0.3 منشور في السنة لكل أستاذ.

ولم تدخل الجزائر، للمرة الأولى في تاريخها، تصنيف بلومبرغ للابتكار إلا في عام 2020، باحتلالها المركز التاسع والأربعين عالميّا.

يحدث ذلك، في وقت يتصدر علماءُ الجزائر كبرى المراكز البحثية عبر العالم، يتقدمهم، على سبيل المثال لا الحصر، البروفيسور بلقاسم حبّة، العربي الأكثر اختراعًا بـ1500 براءة، وكريم زغيب بـ500 اختراع في مجال الطاقة، وإلياس زرهوني، المدير السابق للمعاهد الوطنية الأمريكية للصحة، ونور الدين مليكشي، عضو وكالة “ناسا”، وكمال يوسف التومي، عالم الروبوتيك منذ 1990.

صحيحٌ أن اختيار اللغة الأجنبية الأولى ليست وحدها السبب في تدنّي مستويات المردود المعرفي العالي، بل يتعلق الوضع بمنظومة البحث العلمي والتعليم الجامعي وعلاقته بالمحيط الاقتصادي والقرار السياسي، لكنّها تبقى واحدة من الأسباب الجوهرية.

ويبقى من المهمّ التنبيه إلى أن المقصود هو تعزيز تعليم الإنجليزية كلغة أجنبية أولى في الجزائر وليس الدفع لاستعمالها كلغة تعليم تزاحم العربية.

مقالات ذات صلة