الرأي

الاختيار الأول: طب، لماذا؟

محمد سليم قلالة
  • 40216
  • 12

لماذا يختار أغلب المتحصلين على أعلى المعدلات في البكالوريا تخصص العلوم الطبية أو الصيدلة أو جراحة الأسنان؟ هل هي ظاهرة صحية في مجتمعنا أن يتوجه مَن نعتبرهم الأكثر تفوقا في التعليم إلى هذه الفروع، ويتركوا الفروع الأخرى؟ أم هي ظاهرة مَرضِية يحكُمها معيار ضمان وظيفة في المستقبل والفوز بلقب اجتماعي في الوسط الذي نعيش فيه؟ هل الفروع الأخرى أقل أهمية أم إننا نحن الذين لا نُدرِك أهميتها ونواصل تكريس هذه النظرة التمييزية بين التخصصات؟

يبدو لي أننا في حاجة إلى مراجعة هذا الواقع على أكثر من مستوى:

ـ أولا، علينا أن نُعيد الاعتبار لمختلف الفروع العلمية والأدبية في جامعاتنا وأن نوجِد مِن التحفيزات الملائمة لكي نوجههم نحوها، منطلقين من مبدإ أساسي أن كل فرع في الجامعة إنما له أهميته وينبغي أن يحظى باهتمام المجتمع وأن نُثَمِّن جهود المُلتحقين به.

ـ ثانيا، علينا أن نعود إلى فكرة الجذع المشترك للعلوم الطبية والعلوم الإنسانية والعلوم التكنولوجية لنُعطي فرصة تقييم أخرى لطلبتنا على مستوى الجامعة للتنافس أكثر وإبراز قدراتهم في التخصص الذي اختاروه بعيدا عن نتائج البكالوريا التي تتضمن في ذات الوقت المواد الأساسية وغير الأساسية التي يحتاجها الطالب في فرعه، أما عندما يختار جذعا مشتركا فإننا سنعرف المتميزين في ذلك الجذع عن الآخرين الذين يكونون قد حصلوا على معدلات مرتفعة في غير المواد الأساسية.

ـ ثالثا، علينا أن نجد تحفيزات في ميدان فرص العمل للفروع العلمية ذات الأهمية للاقتصاد الوطني مثل الفلاحة والبيطرة والسياحة والصناعات الغذائية والري والصناعات البتروكيماوية… إلخ، وكذلك لفروع العلوم الانسانية ذات الأولوية لبناء المجتمع وترسيخ قيم العدالة والمساواة فيه وفهمه وتحليله، كالتعليم بمختلف فروعه والعلوم القانونية وعلم الاجتماع وعلم النفس والعلوم السياسية… إلخ، وإن اقتضى الأمر تحديد عدد المنتسبين إليها على مستوى كل جامعة بعد الجذع المشترك لضمان نوعية أفضل وتكريس مبدإ المساواة في الفرص بين الجميع.

بهذه الطريقة، أتصور أنه يمكننا تثمين جميع فروع التعليم العالي وتوفير الفرصة للأكفإ حتى يستمر في التخصص الذي يُمكِن أن يُفيد فيه، بعيدا عن ذلك الإقصاء الذي تقوم به الآلة على غير وجه حق، حيث يتحصل صاحب علامة 15 على الرغبة التي يريد ولا يفوز بها من تحصل على 14.99، رغم أن صاحب العلامة الثانية قد يكون متفوقا في مواد الاختصاص على صاحب العلامة الأعلى منه وبفارق كبير…

ولقد بينت لنا التجربة على مستوى الجامعة أن الفروقات في المعدلات التي يحصل عليها الطلبة في البكالوريا تنمحي كليا في السنة الأولى، وأن الكثير من الطاقات التي كانت كامنة في الثانوي تتفجر في الجامعة.. لماذا نحرم متفوقا من حُلم أراد تحقيقه ونُدخله ضمن دائرة اليأس القاتل بدل أن نفتح له باب الأمل واسعا وهو في الجامعة يثبت أو ينفي الخيار الذي يريد؟

مقالات ذات صلة