-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
نيشان

الاستعمار الجديد .. في دور “المنقذ”

محمد عباس
  • 1957
  • 0
الاستعمار الجديد .. في دور “المنقذ”

أصبح الاستعمار الجديد ينتحل صفة “المنقذ” دونما حرج، بعد أن بات مقتنعا تمام الاقتناع بأنه نجح في تخدير “فئات نافذة” من شعوبنا بفعل تضافر جبروت القوة والتضليل الإعلامي المكثف، فضلا عن الرغبة الجامحة في “متاع الحياة” الدنيا الذي كان اعتبره لينين “أخطر على الثورة من الثورة المضادة”، مصداقا لقول المتنبي: “وحب العيش أعبد كل حر”!

  • لم يعد الاستعمار الجديد -ممثلا في أمريكا وحلفائها- يكتفي بنهب ثرواتنا الطاقوية خاصة، والإمعان في استفزاز شعوبنا بالتطاول على إسلامها، بل بالغ في استغبائها إلى درجة انتحال دور “المنقذ” من أنظمة متسلطة على هذه الشعوب -بتواطئه المخزي-، أنظمة هي في حقيقتها حليف فعلي أو موضوعي له.
  • والملاحظ في فورات الغضب التي تهز العالم العربي أن التضليل الإعلامي المكثف نجح في تكوين وعي مزيف حقيقي على نطاق واسع!
  • وسؤال الساعة في هذا الصدد هو: هل يمكن للوعي المزيف أن يحدث ثورة؟!
  • ذلك أن الوعي الثوري الحقيقي تظهره وتنضجه التجارب النضالية العميقة، تجارب تحمل مشاريع حضارية وترفع رايتها نخب من الشعوب وإليها، نخب ترسم طريق الخلاص وتتجشم مخاطره وأهواله، وتقدم القدوة في الابتلاء والتضحية.
  • هذه الحقيقة تؤكدها التجربة الثورية في الجزائر، كما تؤكدها التجارب المماثلة عبر العالم، وإذا نحن أمعنا النظر في التجربة الجزائرية، اتضح لنا أن الوعي الثوري الذي أسس لها وقادها ثم غذاها، كان ثمرة نضال جيلين على الأقل: جيل الرواد من أمثال الحاج مصالي وسي الجيلاني.. وجيل الثوار من أمثال محمد بلوزداد وبوضياف.
  • ويعني استمرار هذا الوعي السليم اليوم تعبئة القوى الحية، لتثمين مكاسب مرحلة الثورة التحريرية، باستكمال بناء الاستقلال الوطني.. على دعامتين أساسيتين: اقتصاد منتج وثقافة وطنية حرة.
  • أي مواصلة بناء قوتنا المادية والمعنوية التي تحفظ أمن وطننا وشعبنا، وتضمن لهما الهيبة والاحترام المستحقين في الساحة الدولية.
  • وشتان بين الوعي الحقيقي والمزيّف صنيعة المنابر المشبوهة “للشبكة العنكبوتية” ومختلف أشكال وألوان التضليل الإعلامي.
  • ومن حقنا أن نتوجس من احتمال غلبة الوعي المزيف على فورات الغضب العربية التي سارعت الدعاية الاستعمارية بوصفها بـ “الربيع العربي”! وعلى غرار “ربيع براغ” وما إلى ذلك، وهو مصطلح دعائي شائع في الإعلام الغربي وامتداداته المحلية.. علما أن الإعلام الاستعماري على قدر كبير من الخبرة في فبركة هذا النوع من “الوعي”، كمطية لتحقيق أهداف استراتيجية اقتصادية محددة.. ومن الواضح أن أمريكا وحلفاءها استثمروا في فورات الغضب الشعبي، وسارعوا بركوبها لتجاوز أنظمة لم تعد تتماشى ومخططاتهم، سواء في العالم العربي أو في العالم قاطبة.
  • فهذا التحالف القوي أصبح بحاجة إلى عملاء جدد، ينتحلون صفة الثوار والرغبة في خدمة المصالح الوطنية، لكنهم في الحقيقة أقل وطنية وأكثر انبطاحا، من الرؤساء المطاح بهم أو المرشحين لذلك.
  • مع التنبيه إلى أن الرؤساء المنتهية أدوارهم حققوا مكاسب لا تنكر للاستعمار الجديد، في مقدمتها تحويل أوطانهم -ماديا ومعنويا- إلى “أراض شاغرة”، يمكن احتلالها من جديد بأقل التكاليف!
  • ومن مظاهر الوعي المزيف في:
  • – الجزائر: رفع شعار التغيير من شخصيات وصحف واضحة في ارتباطها بالاستعمار الجديد، على غرار هذه الصحف التي تخصص صفحاتها الترفيهية لقنوات التلفزة الفرنسية دون سواها، وتعطي مكانة خاصة لفعاليات المراكز الثقافية الفرنسية!
  • – ليبيا: تظاهر “ثوار بنغازي” بالعلم الفرنسي والهتاف بحياة الرئيس “المنقذ” ساركوزي!
  • – تونس: توجس بعض الملاحظين التونسيين من احتمال أن تكون السلطات المؤقتة تسير وفق “ورقة عمل”، مملاة من الدول الاستعمارية وفي طليعتها فرنسا!
  • ومهما يكن، فإن “الربيع العربي” والتطورات المفاجئة الناجمة عنه، جعلتنا نتأكد مرة أخرى من وزن أقطارنا ومنظماتنا الإقليمية والقارية: فقد غيب الاتحاد الإفريقي تماما، واقتصر دور الجامعة العربية على تزكية فرض “الحظر الجوي” على ليبيا، مع تعمد الأمين العام عمرو موسى الخطأ في قراءة هذا المفهوم وأبعاده الخطيرة، بعد أن حاول إقناعنا بأنه لا يعني أكثر من التشويش على طيران القذافي ووسائل دفاعه الجوي!
  • وتم تجاهل الجزائر وتونس ومصر في الشأن الليبي رغم أنها دول عربية مجاورة، لا يمكنها إلا أن تكون معنية بكيفية أو بأخرى، وتم في المقابل تضخيم دويلات خليجية، بنية التغطية على هذا التجاهل!
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!