-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
المصالحة‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬دفع‭ ‬جديد‭:‬

الاستقرار‭ ‬مسؤوليّة‭ ‬الجميع‭ ‬والعنف‭ ‬خسارة‭ ‬للجميع‮ ‬‭ ‬

محمد السعيد
  • 1752
  • 0
الاستقرار‭ ‬مسؤوليّة‭ ‬الجميع‭ ‬والعنف‭ ‬خسارة‭ ‬للجميع‮ ‬‭ ‬

يثير تصاعد استهداف وحدات الجيش الوطني الشّعبي وقوّات الأمن في الآونة الأخيرة من طرف المجموعات المسلّحة نقاشا حول فعالية الوسائل والسّبل الّتي اعتمدتها السّلطة السياسية لوضع حدّ لإراقة الدّماء منذ بداية فصول المأساة الوطنية قبل عشرين سنة خلت.

  • ولئن تعوّدنا منذ سنوات كلّما أقبل فصل الصّيف أو حلّ شهر رمضان المعظّم على عمليّات إرهابيّة استعراضية لاستثمار مردودها الإعلامي، إلاّ أنّ ثمّة أسئلة تطرح نفسها بإلحاح وهي: إلى متى يظلّ انتشار ضبّاطنا وجنودنا في الصّحاري والجبال صيفا وشتاء وأصابعهم على الزّناد في انتظار عدوّ خفيّ سريع الحركة أو سعيا للعثور عليه؟ إلى متى يُصطاد رجال الدّرك الوطني وعناصر الأمن الوطني باللّباس المدني أو النّظامي، في مكاتبهم أو في منعرجات الطرق الرّيفية أو بين المارّة في قلب المدن، ومعهم يسقط مواطنون أبرياء لا ذنب لهم سوى أنّ القدر قادهم إلى ذلك المكان في اللّحظة غير المناسبة؟ إلى متى تحبس عائلات أنفاسها لسماع ابن لها يهدّد بالصّعود إلى الجبل كخيار لا بديل عنه بعدما سدّت في وجهه أبواب الأمل والمستقبل؟ إلى متى تستمرّ طائفة ممّن أقصاهم نظام سياسي مغلق في شهر السّلاح في وجه الدّولة ولا تدرك بأنّ للسّيوف‭ ‬كما‭ ‬للنّاس‭ ‬آجالا؟
  •      حقّا، لقد بذل الكثير في طريق استعادة الأمن والسّلم بفضل سياسة المصالحة الوطنية الّتي تبنّاها الشّعب أثناء استفتاء سبتمبر 2005، تعزيزا لخطوة أخرى قُطعت من قبلُ بستّ سنوات بنفس الإقبال الواسع وهو الوئام المدني. والحمد لله الّذي أخرجنا من ظّلمات رأينا فيها الكوكب ظهرا من بشاعة الرّعب والذّبح والتّقتيل العشوائي في وضح النّهار والتّهجير القسري والدّمار الّذي أتى على الكثير من المنشآت القاعديّة والمرافق العموميّة الّتي بناها الشّعب بعرقه ودمه. لا ينكر إلاّ جاحد أنّنا اليوم تنفّسنا الصّعداء فصرنا نتجوّل ليلا آمنين وننصرف صباحا إلى أعمالنا مطمئنّين بل ونشكو من اختناق شوارع المدن وازدحام المرور الّذي يشهد على انتعاش الحياة الاجتماعية وحركة البناء والإعمار وتنشيط دورة الأعمال والتّجارة الّتي غزت الأرصفة والسّاحات العمومية.
  •      على أنّ هذه النّعمة الّتي قدّرنا قيمتها فقط يوم فقدناها، لم تشمل بعدُ كلّ أجزاء الوطن، فمازالت هناك جيوب غير آمنة تتّخذ منها البعثات الأجنبية الدّبلوماسية المعتمدة في الجزائر ذريعة لدعوة رعاياها إلى توخّي الحذر في تنقّلاتهم. إنّ هذه الجيوب الّتي تستغلّ انشغال المواطنين بهمومهم وتراجع حسّهم المدني، وضعف أداء بعض مؤسّسات الدّولة، تضاف مع الأسف إلى أشكال أخرى من الإجرام وأحيانا تمدّ جسورا معها كتنامي ظاهرة الخطف من أجل الابتزاز، وتعاطي المخدّرات على نطاق واسع وتفشّي الرّشوة في دواليب الدّولة والعبث بالمال العامّ، كما تتغذى هذه الجيوب إلى حدّ كبير من التوتّّر الاجتماعي الذّي يعمّق أزمة الثّقة بين الحاكم والمحكوم، وينال من هيبة الدّولة، وبذلك يكون للعنف وجهان: عنف إرهابي وعنف اجتماعي وكلاهما شرّ ووبال.
  •   لا يكفي في كلّ مرّة أن نقف آسفين مترحّمين أو ساخطين، همسا أو علانيّة، لإعفاء أنفسنا من أيّة مسوؤلية أدبيّة أمام سقوط ضحايا جدد كُتب عليهم كما كُتب على الّذين من قبلهم أن يدفعوا ثمن سياسة لم يقرأ مهندسوها والّذين ساروا في ركابها فيما بعد، حسابا لوقعها على وحدة الأمّة والوطن وسلامة المصير، إذ كان بعضهم منشغلا بإشباع غرور جامح بقطع النّظر عن كلّ اعتبار، وبعضهم الآخر كان فاقدا للقدرة على استقراء الواقع لتبيان المقاربة السّليمة، وحمل الصّنف الثّالث منهم رؤية لأحوال الأمّة متخلّفة عن مكانها وزمانها بينما هبط الصّنف الرّابع بالمظلّة على المعترك السيّاسي ينتظر أداء دور مرسوم بُعث من أجله. لايكفي إراحة الضّمير بإسداء النّصائح عن بعد أو الغرق في تقديم اقتراحات بعضها اعتلاه الصّدأ، أو السّكوت بدعوى أنّ الصّمت من ذهب والحال أنّه تهرّب أو عجز عن الإفصاح؛ لا، ما هكذا تورد الإبل، إنّ الواجب يفرض على كلّ واحد منّا، مهما كان موقعه ومسارّه، أن يعمل بأقصى   إمكاناته للمساعدة على تفكيك آلة الموت ومحاربة ثّقافة الإفراط في حبّ الذّات واللامبالاة تجاه ماعداه، لقد صارت عمليات القتل والكمائن في أوساط الجيش وقوى الأمن أخبارا عادية كحوادث السّير لا تأتي وسائل الإعلام العموميّة على ذكرها، ويمرّ عليها قارئ الصّحافة المكتوبة مرّ الكرام؛ لا شيء أشدّ مضاضة من وفاة الرّجال في صمتٍ يلفّهم كأنّنا نريد التّعجيل بمحو تضحياتهم من الذّاكرة أو إخفاء أثر لأيّ تقصير في حقّهم؛ وليس أكثر خطرا على الغد‭ ‬من‭ ‬النّزعة‭ ‬إلى‭ ‬استسهال‭ ‬التّعايش‭ ‬مع‭ ‬العنف‭ ‬لأنّه‭ ‬مظهر‭ ‬من‭ ‬مظاهر‭ ‬النّزول‭ ‬إلى‭ ‬الدّرك‭ ‬الأسفل‭ ‬من‭ ‬الوحشيّة‭. ‬
  •      إنّ تجارب دول أرهقتها حروب أهلية كشفت عن حدود التّجاوب مع أنين المكلومين والمظلومين، فقد تأسّست في السّنوات العشرين الماضية لجان لتقصّي الحقائق حول انتهاك حقوق الإنسان في حوالي ثلاثين دولة أغلبها في أمريكا اللاتينية وإفريقيا، وكانت النيّة من وراء نبش الماضي هي تحقيق المصالحة الوطنية على أساس العدل والشّفافيّة لتفادي التعفّن الّذي يؤدّي إلى إتلاف الجسم كلّه؛ لم يتحقّق ذلك لأنّ كلّ طرف استبدّ برأيه ولم يعترف بما نسب إليه من تهم، فانعكس ذلك على عمل اللّجان بحيث رفع قسم منها توصيّات مازال تنفيذها معلّقا، ووتوقّف القسم الآخر في منتصف الطّريق لاقترابه من باب المحرّمات وسارعت بلدان كغانا إلى تغيّير التسمية إلى لجنة المصالحة الوطنية وغواتيمالا سمّتها لجنة للتّوضيح التّاريخي. أمّا جنوب إفريقيا الّتي اشتهرت كمثال على استعادة التّضامن الوطني بتأسيس لجنة الحقيقة والمصالحة لمحو صور الإجرام العنصري من الذّاكرة، فقد فضّلت في سعيها للتوفيق بين دعاة الانتقام ودعاة النسيان تضميد الجراح بدل الاقتصاص بالإعدام أو السّجن من المتّهمين التّائبين. وسبقت إسبانيا جنوب إفريقيا بعقود حين نجحت في قلب صفحة الحرب الأهلية الّتي خلّفت في ما بين 1936 و1939 عددا من القتلى يتراوح بين نصف المليون والمليون؛ فكان بعد مضيّ 37 سنة على هذه الحرب الشّرسة أن اتّفق القوم من أبناء الجمهورييّن الّذين فازوا بانتخابات 1936 وأبناء نظام الجنرال فرانكو الّذي أطاح بآبائهم على العفو الشّامل المتبادل ممّا يسّر‭ ‬ترميم‭ ‬كيان‭ ‬الأمّة‭ ‬وضمان‭ ‬استمرار‭ ‬الدّولة‭ ‬وإنجاز‭ ‬نهضة‭ ‬اقتصاديّة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭ ‬في‭ ‬البلاد‭.‬
  •      لم يكن الأمر هيّنا في هذه البلدان لكي يسود الوئام بعد الخصام، وإنّما عندما تتوفّر الإرادة السياسيّة ويتغلّب منطق الحكمة والتعقّل على شريعة الغاب، يصبح إقدام الرّجال على تصوّر حلول جريئة ممكنا لتجاوز مأساة الماضي ويليق بنا أن نستفيد منها؛ وعلى سبيل المثال حوّلت الحكومة الإسبانية عقوبة السّجن إلى النّفي خارج الوطن لإفراغ السّجون من شريحة حسّاسة من السّجناء مازالت تشكّل خطرا على النّظام العامّ؛ كما اعتذرت حكومة جنوب إفريقيا على لسان رئيسها نيلسون مانديلا للّذين انتهكت حقوقهم في عهد نظام الميز العنصري. وتشاء الصّدف في هذين البلدين أن تدفع إلى السّلطة برجلين تضرّرا مباشرة من الماضي وهما مانديلا الّذي قضّى 27 عاما في السّجن وزاباطيرو الوزير الأوّل الأسباني الحالي الّذي أُعدِم جدّه على يد أنصار الجنرال فرانكو؛ كلّ هذا هيّأ النّفوس للتخلّص من الأحقاد والعزوف عن‭ ‬خيار‭ ‬الثّأر‭ ‬فصحّت‭ ‬الأجسام‭ ‬بالعلل‭.‬
  •      على أنّ الإنصاف يقتضينا الإقرار بأنّ المصالحة الوطنية كأيّ مسعى بشري لا يخلو من النّقائص، تركت شعورا بالمرارة في بعض الأوساط الّتي لم تستسغها بالشّكل الّذي اتّخذته فظهرت في إسبانيا في السّنوات الأخيرة حركة للبحث عن المقابر الجماعية، وتأسّست في جنوب إفريقيا لجان تطالب بإلغاء العفو الّذي استفاد منه المتورّطون في جرائم القتل والتّعذيب. بيد أنّ هذه الحركات الّتي لها شبيهها بالجزائر، لم تؤثّر في التوجّه العامّ الّذي كان ثمرة لعمل مدروس ووفاقي قام على استخلاص العبر من الماضي لتوظيفها إيجابيا في بناء المستقبل‭.‬
  •      إنّ التّذكير بتجارب الغير يجعلنا نستنتج بأنّ شطب مئات الآلاف من القتلى والمصابين والمنكوبين من الّذاكرة بجرّة قلم أمر فوق طاقة الانسان، لذلك فإنّ المصالحة الوطنية في بلادنا عمل طويل النّفس لا ينجز بصفة آلية بالعفو التّشريعي على الرّغم من وجوب وأهمّية هذا القرار في تهيئة العقول وإعداد النّفوس للصّفح وطيّ صفحة الماضي؛ إنّها تمسّ كيان الإنسان في وجوده ووجدانه وأحاسيسه وتنعكس على مشاريعه وأحلامه. ولذلك يتطلّب جني ثمار المصالحة حتّى لا تصاب بانتكاسة تعود بالخسارة على الجميع، وقتا طويلا قد يتعدّى عمر الجيل الواحد. إنّ عملا بهذا الحجم في حاجة إلى المزيد من الصّبر والتّضحيات وخصوصا من طرف أولئك الّذين اكتووا في أجسادهم كيفما كان معسكرهم، أو فقدوا عزيزا له قبر يُزار أو مازالوا يبحثون عنه حيّا أو ميّتا، أو دمّرت حياتهم المهنية والاجتماعية في إحدى لحظات جنون الإنسان‭ ‬واللّه‭ ‬أدرى‭ ‬بلوعة‭ ‬حزنهم‭ ‬جميعا؛‭ ‬ولكنّ‭ ‬البديل‭ ‬لا‭ ‬قدّر‭ ‬اللّه‭ ‬خطب‭ ‬أعظم‭.‬
  •      لقد آن الأوان لتقييّم سياسة المصالحة الوطنية بجمع أهل الاختصاص وممثّلي التيّارات الوطنية وكلّ ذي صلة بالشّأن الأمني، على أن تكون الغاية منه توسيع دائرة الإيجابيّات حتّى يترسّخ المكسب، وتقليص هامش النّقائص لأنّ الدّاء الخبيث يتضاعف خطره كلّما تأخّر علاجه. قد يقول معترض إنّ التكفّل الكامل بالرّجال الّذين حملوا السّلاح من أجل الدّفاع عن الجمهوريّة، واستجلاء مصير ما تبقّى من المفقودين والانتهاء من عملية الإدماج الاجتماعية للّذين شملهم ميثاق المصالحة الوطنيّة والسّلم، مسائل بتّ فيها القانون ولم تعد موضع نقاش، وهذا صحيح ولكنّه لا ينفي عدم وجودها فلا مانع إذن من استغلال أيّة وسيلة للإسراع في تجاوز ما تراكم من أحقاد وضغائن تفاديا لتطهير النّفس منها. تلك هي إحدى النّتائج العاجلة الّتي يتوقّعها المواطن من التّغيير السّلمي المنتظر أن تحمله الإصلاحات السياسية الموعودة‭ ‬لإعطاء‭ ‬دفع‭ ‬جديد‭ ‬للحياة‭ ‬السياسية‭ ‬والجمعويّة‭ ‬الّتي‭ ‬يمليها‭ ‬مستوى‭ ‬تحوّلنا‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والثّقافي‭.‬
  •       إنّ المصالحة الوطنيّة عندنا لها وجه إضافي يميّزها عن غيرها، فإذا كان تأمين صلابة هذا البنيان من الارتداد تستدعي سدّ ما فيه من ثقوب أشرنا إليها، وفي ذلك مصلحة للجميع، فإنّ الجانب الآخر على صلة بعلاقة المجتمع بالسّلطة أي بالمصالحة بين الدّولة والمواطن؛ وهنا يقع العنف الاجتماعي الّذي يفجّره في نفس المواطن الإحساس بالظّلم عندما تتعرّض مصالحه للاعتداء أو يحرم من حقوقه أو يقصّر في حقّه، وطالما وجد هذا الشّعور بانتقاص الحقّ والتّهميش سيظلّ استقرار المجتمع عرضة للعواصف والهزّات. إنّ الظّلم ليس فقط ما يدبّ في نفس المواطن من شعور بالاستخفاف بعقله عندما يُوظّف في العمل السياسي يدا للتّصفيق لا غير، أو عندما تكون الانتخابات وليدة المال السياسي أو المحاصصة، وإنّما هو أيضا اعتقاد هذا المواطن بعدم قدرته على نيل حقوقه دون الاضطرار إلى النّزول إلى الشّارع أو الحطّ بنفسه أحيانا لسلوك سبيل سافل ودنيء؛ والأمثلة على ذلك كثيرة: فكم تجاوزات صرخ بها المواطنون في وجه بيروقراطيّة الإدارة الجهنّميّة؟ وكم حالات إهمال وتسيّب تتكرّر في المرافق العامّة يقف المواطن أمامها ساخطا متذمّرا، ولا أحد من المسؤولين تطاله يد المساءلة والمحاسبة؟ وكم مظلوم همّ بتقديم شكوى للاقتصاص من ظالم ثمّ عَدَل يأسًا من إنصاف العدالة ولسان حاله يردّد: لمن تشكو إذا كان خصمك القاضي؟ وكم عمليّات انتخابية عبثت بها أصابع التّزوير أمام الملإ فأخرجت من الصّندوق ما ليس فيه من العجب الأعجب أعزّت به ذليلا وأذلّت عزيزا؟ وكم قانون ضُرِب به عرض الحائط لتأجيل استفادة الوطن من كفاءات علمية وثقافية وسياسية جديدة؟ وكم موظّف أُزيح من منصبه حتّى تُعقد الصّفقات في سَراح وَرواح، أو زُجّ به في السّجن، أو مازال يقبع وراء قضبانه دون محاكمة لا لسبب سوى أنّه صدّق خطاب العفّة والنّزاهة حين‭ ‬أراد‭ ‬تطبيق‭ ‬القانون‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يقيم‭ ‬وزنا‭ ‬لمجموعات‭ ‬الضّغط‭ ‬الّتي‭ ‬لا‭ ‬تأبه‭ ‬للقانون؟
  •      إنّ هذه الشّوائب تجد في تفاقم الفوارق الاجتماعية والاقتصاديّة وعدم المساواة في فرص التّرقيّة الاجتماعية مرتعا لها فترفع من درجة الإحباط واليأس وكسر الرّوح المعنويّة وتبعا لذلك تعزّز طاقة الإرهاب وتمدّ في أيّامه.
  •      إنّ صدق القناعات والشّعلة الوطنيّة لا يعصمان أيّ حاكم من الخطإ، وإنّ الإخفاق كالنّجاح من السّمات الملازمة للمسؤولية والحكم؛ لم يعد من الممكن اليوم في بلد أصابته حمّى التمرّد والعصرنة قبل أن تصيب جيرانه، تسيير مؤسّسات الدّولة بعقليّة السّنوات الأولى من‭ ‬الاستقلال‭ ‬لأنّ‭ ‬هناك‭ ‬أجيالا‭ ‬جديدة‭ ‬لها‭ ‬حاجيات‭ ‬ورؤى‭ ‬جديدة‭ ‬لا‭ ‬مناص‭ ‬من‭ ‬الأخذ‭ ‬بها،‭ ‬وما‭ ‬يجري‭ ‬في‮ ‬محيطنا‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬في‭ ‬دوافعه‭ ‬عمّا‭ ‬يختلج‭ ‬في‭ ‬صدور‭ ‬هذه‭ ‬الأجيال‭ ‬الصّاعدة‭. ‬
  •      إنّ هناك مهمّة تنتظر الجميع بدءا بالنّخب الفاعلة الّتي تستمدّ شرعيّتها من مساحة تمثيلها ودرجة تفاعلها مع قضايا شعبها. وتتمثّل هذه المهمّة في الإسراع في إقامة نظام مؤسّسات منفتح وقادر على استيعاب التحوّلات الجارية في المجتمع والتكيّف معها، وهنا يبرز إنجاح مسعى المصالحة الوطنيّة كقضيّة مصيرية لتوفير الاستقرار السياسي اللازم لعمليّة التّنميّة وكشرط لتحقيق التماسك الوطني وما يصحبه من تطبيق العدالة الاجتماعيّة لاستئصال الفقر والحرمان وتجديد رابطة الثّقة بين المواطن والسّلطة لبناء المواطنة الصّحيحة. ذلك هو الممرّ‭ ‬الحتمي‭ ‬إذا‭ ‬أردنا‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الجزائر‭ ‬مرّة‭ ‬أخرى‭ ‬على‭ ‬موعد‭ ‬مع‭ ‬التّاريخ‭ ‬عادلة‭ ‬وقويّة،‭ ‬وتبزغ‭ ‬فيها‭ ‬الشّمس‭ ‬على‭ ‬الجميع‭.‬

 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!