-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الانتخابات الرئاسية والتحديات الإقليمية والدولية

محمد بوالروايح
  • 1283
  • 0
الانتخابات الرئاسية والتحديات الإقليمية والدولية

لا يهمني من يترشح للرئاسيات المقبلة، سواء كان من أنصار “الحل الإسلامي” أو من دعاة “البديل الديمقراطي”، فالدستور الجزائري يعطي الحق في الترشح لكل من تتوفر فيه شروط الترشح بغضّ النظر عن توجهه السياسي مواليا كان أم معارضا.
ما يهمني أولا وأخيرا هو أن يكون المترشح على دراية بالتحديات الإقليمية والدولية التي تواجهها الجزائر في ظل نظام دولي، انتقل من الدكتاتورية النسبية إلى الدكتاتورية المطلقة، نظام دولي، يتعامل وفق مبدأ القوة والهيمنة وليس وفق مبدأ العدل والمساواة، نظام يصنف الدول إلى دول كبرى ودول صغرى بمعايير أقل ما يقال عنها إنها مجحفة وتمثّل استمرارا للسياسة الاستعمارية التي طبعت عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية.
ما يهمني في الانتخابات الرئاسية المقبلة، هو أن تكون الجزائر وأمنها القومي هما محور الدعاية الانتخابية، وأن يبتعد المترشحون عن لغة التنابز بالألقاب وعن التخوين المتبادل وعن الإمعان في انتقاد النظام السياسي القائم من غير تقديم بديل سياسي منطقي وواقعي مبني على رؤية سياسية ناضجة ومقاربة اقتصادية واجتماعية ناجعة. إن الانتخابات الرئاسية ليست موعدا للذم وشراء الذمم وإظهار عنجهية سياسية كاذبة سرعان ما يتبين زيفها وحيفها في تثمين جهود الآخرين فقط لأنهم لا يوافقون هوى أحدهم ولا يسيرون في ركابه ولا يتفقون معه في المنهج السياسي، أو لأنهم ممن تسمّيهم بعض المعارضة “مرشحي السلطة” وكأن الانتساب إلى السلطة جريمة يعاقب عليها القانون، أو كأن السلطة كيانٌ أجنبي يجب التحذير منه وتخوين المنتسبين إليه بكل الطرق وفي كل المواقع.
ما يهمني في الانتخابات الرئاسية المقبلة، هو أن يعي المتنافسون على منصب الرئيس حجم التحديات الإقليمية والدولية التي نعيشها، وأن يمتلكوا برنامجا واعدا لحماية أمننا القومي، قوامه الوطنية الصادقة والدبلوماسية الهادئة والرؤية الاستشرافية الهادفة، برنامج يقوم على الوعد الصادق وليس على الوعود الانتخابية التي يتبخّر أغلبُها مع نهاية الحملة الانتخابية.

 إن الجزائر تواجه تحديات إقليمية كبيرة، تارة بمفردها، وتارة بمعيَّة بعض شركائها، تحديات التطبيع والهرولة، وتحديات دفاعها عن حقوق الفلسطينيين والمستضعَفين الذين كُتب عليهم أن يعيشوا مهجَّرين محاصَرين داخل أوطانهم، وتحديات منطقة الساحل التي تفرض علينا جميعا التصدي لها بكل حزم وعزم، كل من موقعه، فأمن الجزائر غاية مشتركة، تختفي أمامها كل الخلافات السياسية والتوجهات الإيديولوجية.

ما يهمني في الانتخابات الرئاسية المقبلة، هو أن يتخلص بعض المترشحين من عقدة “مرشح السلطة” وأن يدركوا بأن السلطة متغيرة والدولة ثابتة، فتقديم الثابت على المتغير أمر ضروري إذا رام هؤلاء استقطاب الناخبين وإقناعهم وكسب أصواتهم. إن تجاوز عقدة السلطة التي تحولت إلى هاجس لدى بعض المترشحين، وتبنّي عقيدة بناء الدولة من شأنه أن يشكل إضافة نوعية لبناء الدولة وخدمة الأمة، وحمايتها من كل ما يهدد وجودها وحدودها وسيادتها التي تحققت بسيل من الدماء وجسر من التضحيات.
يجب أن يتخلص المتنافسون من خطاب الاتهام المتبادل وأن يجنّدوا كل إمكاناتهم وخبراتهم، ويستنفروا قواعدهم لجعل الجزائر في منأى عن كل الهزات السياسية والاجتماعية التي تفرضها المتغيرات الإقليمية والدولية، التي اتَّضحت معالمها في ظل الانتقال من عولمة الثقافات إلى عولمة الكيانات، وصهر هذه الأخيرة طوعا أو كرها في كيان غريب لا يوافق نهجها وقيمها.
إن الجزائر تواجه تحديات إقليمية كبيرة، تارة بمفردها، وتارة بمعيَّة بعض شركائها، تحديات التطبيع والهرولة، وتحديات دفاعها عن حقوق الفلسطينيين والمستضعَفين الذين كُتب عليهم أن يعيشوا مهجَّرين محاصَرين داخل أوطانهم، وتحديات منطقة الساحل التي تفرض علينا جميعا التصدي لها بكل حزم وعزم، كل من موقعه، فأمن الجزائر غاية مشتركة، تختفي أمامها كل الخلافات السياسية والتوجهات الإيديولوجية.
يجب على الراغبين في الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة أن يدركوا بأن هذه الانتخابات تختلف عن سابقاتها من حيث كونها محاطة بجملة من التحديات الإقليمية والدولية التي تحتم على المتنافسين على منصب الرئاسة أن يركزوا كل ثقلهم ويوجهوا كل اهتمامهم للمرافعة عن الجزائر في المحافل الدولية وتجنيد الآلة الدبلوماسية من أجل التصدي لكل مساس بسيادة الجزائر من خلال السماح لبعض الأبواق التي يستهويها منهج المثبِّطين والمفسدين الذين يخرّبون بيوتهم بأيديهم، إرضاء لأسيادهم ونكاية بوطنهم.
أتمنَّى أن يولي المتنافسون على منصب الرئاسة أهمية لما يجري في الساحة الإقليمية والدولية من مناورات مكشوفة وتهجمات مفضوحة باسم الديمقراطية من أجل كسر شوكة الدولة الجزائرية وتمزيق وتفريق الصف الوطني مما يضرّ بالوحدة الوطنية. يجب أن تكون خطة مواجهة هذه التحديات حاضرة في البرامج الانتخابية للمتنافسين، وأن تختفي في المقابل مظاهرُ الاستعراض الانتخابي التي عهدناها في الانتخابات السابقة التي يتبادل فيها المتنافسون سهام الانتقاد ودعاوى الفساد في خصومة سياسية ظاهرة ومتجاوزة في بعض الأحيان متناسين الخصم المشترك وهم المتطاولون على الجزائر، والمتعاونون على الإثم والعدوان من نزلاء الصالونات والبلاتوهات وأصحاب الأقلام المأجورة الذين يبيعون ذممهم وأوطانهم بعرض من الدنيا قليل.
يجب على المتنافسين على منصب الرئاسة أن يولوا اهتماما للسياسة الخارجية التي هي نافذة الجزائر للتعريف بقدراتها الاقتصادية وللرد على منتقديها الذين يهوّنون فشلهم ويهوّلون بعض العثرات الاقتصادية التي تشوب كل اقتصادات الدول بما فيها الدول المتقدمة. أقول هذا الكلام لأنني لاحظت من خلال اطّلاعي على برامج بعض الأحزاب السياسية أن هناك تركيزا على السياسة الداخلية وتغييبا للسياسة الخارجية الذي قد يفسَّر بغياب الفكر السياسي أو بالأحرى بغياب فكر الدولة الذي ينبغي أن يتوفر في كل راغب متطلع إلى منصب رئيس الجمهورية.
إن الغبن الاجتماعي الذي يتخذ منه بعض المرشحين مادة للحملة الدعائية لا تقابله في الغالب خطةٌ بديلة ولا مخطط لمواجهة الغبن الدولي الذي تعاني منه بعض الدول التي تتعرض لحصار ظالم بسبب مواقفها الشجاعة الرافضة للاستعمار الجديد الذي يكرِّسه النظام الدولي الحالي الذي يخدم الدول الكبرى ويقضي على آمال الدول الصغرى ويحرم شعوبها من حقوقها الطبيعية التي تضمنها الشرائع السماوية والوضعية على حد سواء.
أتمنى أن نشهد في الانتخابات الرئاسية المقبلة خطابا سياسيا راقيا يكون في مستوى تطلعات الشعب الجزائري وفي مستوى التحديات الإقليمية والدولية التي يعيشها عالم ما بعد كورونا وليست الجزائر بمعزل عن ذلك، فهي تتأثر وتؤثِّر في السياسة الدولية بالقدر المشرِّف الذي لا ينكره إلا مُكابر، وتحتاج إلى قيادة سياسية واعية بمخاطر هذه المرحلة الدقيقة التي تحتم علينا اختيار من يقود لا من ينتقد، ومن يتبنّى خطابا سياسيا مقنعا لا من يتخذ من نقد السلطة ببيِّنة ومن غير بيِّنة في أغلب الأحيان قناعا ووسيلة للوصول إلى السلطة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!