-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الانتخابات لا المرحلة الانتقالية

الشروق أونلاين
  • 240
  • 0
الانتخابات لا المرحلة الانتقالية
ح.م

على من يريد أن يساهم في إيجاد حل للمشكل الذي تتخبط فيه الجزائر حاليا أن يضع الجزائر في مقدمة جميع الأولويات، لأن الجزائر لم تكن موجودة كدولة مستقلة ذات سيادة، لولا الثمن الغالي والكبير جدا المتمثل في المليون ونصف المليون شهيد الذين سقطوا في ميدان الشرف، وفي السجون والاغتيالات التي قامت بها الدولة المستعمِرة بقواتها العسكرية أثناء ثورة التحرير 1954.

عليه أن يجعل العقلَ هو دليله، وذلك بالبحث مباشرة عن الأسباب الحقيقية والموضوعية التي أزّمت الوضع الحالي إلى درجة أصبحنا نخشى من المستقبل إذا لم يتم الاتفاق بين جميع الأحزاب والمنظمات وممثلي الحراك الشعبي، على خطة تُبعد الجزائر عن شبح الفوضى التي لا أحد يعرف مآلاتها ومخاطرها السياسية والاقتصادية والأمنية والتزاماتها الدولية.

المشكل منذ البداية كان ينحصر في عدم نزاهة الانتخابات، ما أدى إلى المطالبة بعدم ترشح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وعندما أعلنت الرئاسة ترشُّحه، وقدَّم مدير الحملة الانتخابية ملفه للمجلس الدستوري، صعَّد الحراك مطالبه ضد هذه الخطوة التي قامت بها الرئاسة، وطالب الجيشُ الوطني الشعبي بتفعيل المادة 102 من الدستور، مرفَقة بالمادتين 7 و8 منه.

حينئذ أعلن الرئيس بوتفليقة انسحابه من الرئاسيات، وأعلن في نفس الوقت إقالةَ الوزير الأول أحمد أويحيى، وتعيين نور الدين بدوي محله، ثم سلَّم السلطة لبن صالح رئيس مجلس الأمة.
إذن، المشكل الأول والأساسي الذي طالب الحراكُ بإزالته قد انتهى بانسحاب الرئيس بوتفليقة من سباق الرئاسيات، ثم إعلان استقالته للمجلس الدستوري.

الجمعة التي تلت هذه القرارات التي جاءت بعد تفعيل المادة 102 من الدستور جاءت بشعاراتٍ جديدة، بل مطالب “يتنحاو قع” و”يتحاسبو قع” بصيغة التعميم، بينما العقل يقول إن من يملك الدليل فليقدمه للعدالة، أي السلطة القضائية المختصَّة بمحاسبة هؤلاء ويكون المدَّعي مسؤولا على ما بدر منه من الإدعاءات أمام القضاء إذا ثبُتت براءة المدعى عليه.

أما أن يطلق الشارع شعاراتٍ ومطالب جديدة ومتجددة في كل يوم جمعة، ويرفض إجراء الانتخابات، ويطالب بالذهاب إلى مرحلة انتقالية وتشكيل مجلس تأسيسي سيشرع في تأسيس جمهورية جديدة، بعد اقتلاع جذور كل ما تم بناؤه منذ عام 1962 إلى 2019م واعتبار مرحلة 57 سنة الماضية هي مصدر الفساد والديكتاتورية واللاديمقراطية… فهذا هو الهدف الحقيقي لهذا المطلب، الذي لم يكن واردا في مطالب المسيرات الأولى، وهذا دليلٌ على أن الحَراك قد حُرِّف من طرف راكبي القطار وهو يسير بمطالب جاؤوا بها من أرشيف 1962، والذي تبنَّته بعض الأحزاب في مشروعها المرفوض لدى الرأي العام الجزائري؛ لأن هذا المطلب لم يعد له مبررٌ بعد مرور 57 سنة من الاستقلال، ورحيل من طالبوا به وزوال الأسباب.

إجراء انتخابات نزيهة وشفافة أمرٌ ممكن بواسطة تشكيل لجنة أو هيئة وطنية مستقلة لا تخضع لأيِّ جهة إلا للقانون الذي يؤسسها ويمنحها صلاحيات واسعة ابتداء من الإشراف على مكاتب الانتخابات إلى الإعلان عن النتائج النهائية، دون أي تدخُّل من طرف وزارة الداخلية، إلا في حالة طلب اللجنة الوطنية المُشرفة على الانتخابات، لحل بعض الإشكالات المحتمل وقوعها أو ملاحظة وجودها إداريا.

ذوفي الوقت نفسه، فإن مهمّة محاربة الفساد والفاسدين لا يمكن أن تكون ظرفية، أو تلبيةً لمطالب الحراك أثناء المظاهرات فقط، فالفساد متواجد مع وجود البشر، لا يخلو منه أي مجتمع، ولهذا فعملية محاربة الفساد، يجب أن تستمرّ حاضرا ومستقبلا وبوسائل قانونية رادعة، وبإرادة سياسية جادة.

إن انتخاب رئيس الجمهورية بطريقة شفافة ونزيهة، يعني ممارسة الشعب لحقه الدستوري، واختياره لمشروع هذا الرئيس الذي يلتزم بتنفيذه بواسطة من يختارهم لهذه المهمة الكبيرة التي التزم بها أمام صاحب السيادة “الشعب”.
بعد هذا هل بقي ما يبرِّر اللجوء إلى المرحلة الانتقالية التي تضع الجزائر في محطة انتظار المجهول خارج أحكام الدستور؟ هذا هو المطلب الذي يطالب به بعض نشطاء الحَراك وبعض الذين يكتبون من الصحفيين في بعض الجرائد، ولم ينادِ به الحراكُ الشعبي.

إن تعميم وصف “العصابة” على كل قطاعات الدولة هو كلامٌ مبالغ فيه وأعتقد أنه لا يستند إلى أي أساس، وأنه لا يزيد في الوضع إلا فقدان ثقة في الكل بما في ذلك مؤسسة الجيش الوطني الشعبي الحامي للوطن.

في أحد المقالات بإحدى الصحف تطرّق صاحب المقال إلى قضية أولوية السياسي على العسكري، إذ يقول: “من المؤسف حقا أننا في الوقت الذي نجد فيه الشعب قد توحَّد ضد النظام، تخرج علينا بعض النخب لتقول إن الوضع الآن يتطلب الاصطفاف مع من هو وطني ومن هو من حزب فرنسا، وأن حزب فرنسا هو من يقول لا بدَّ من مرحلة انتقالية للخلاص من النظام بتمكين الشعب من حقه في اختيار حكامه وعزلهم. وبتعبير أدقّ من يقول بأولوية السياسي على العسكري، هذه الفكرة التي ظل الناس يطالبون بها منذ مؤتمر الصومام”.

أقول لصاحب المقال، وأنا أعتقد أنه يعرف ذلك، إنَّ صاحب فكرة “أولوية السياسي على العسكري”، لم يكن من مجموعة الـ22، ولا من لجنة الستة المكلفين بتحضير الثورة وتفجيرها في ليلة أول نوفمبر 1954، وهذا لأجل الاستحواذ على السلطة وتوجيه الثورة توجيها مناقضا لبيان أول نوفمبر 1954، الذي وضعه مفجِّرو الثورة، والغريب أنه فرض نفسه في مؤتمر الصومام، وفرض فكرة “أولوية السياسي على العسكري والداخل على الخارج”، وألغى عبارة “… في إطار المبادئ الإسلامية” المدوَّنة في بيان أول نوفمبر، بشأن الدولة المراد تشييدُها بعد الاستقلال، ثم فرض نفسه رئيسا للجنة التنسيق والتنفيذ.

ولم يدُم هذا الشعار وغيرُه إلا عاما واحدا ثم ألغِي في مؤتمر المجلس الوطني للثورة في القاهرة سنة 1957، بمسعى كريم بلقاسم رحمه الله، وقد نص قرار المجلس في بنده الأول على ما يلي “ليس من أولويةٍ للسياسي على العسكري ولا فرقَ بين الداخل الخارج”.

وفي البند الثاني: “لا يزال هدف الثورة إنشاء جمهورية جزائرية ديمقراطية اشتراكية لا تتناقض مع مبادئ الإسلام”، ومنذ ذلك التاريخ انتهت لعبة السياسي الذي جاء سنة 1955 بعد تفجير الثورة المسلحة التي فجَّرها العسكريُّ المجاهد، وليس بأمر من السياسي الذي لم يكن يتوقع أبدا أن تُفجَّر ثورة مسلحة ضد فرنسا.

وعليه، فإنه لا فائدة الآن من النبش في التاريخ لمعالجة قضايا الساعة، بخلافاتٍ خطيرة وقعت أثناء الثورة التحريرية، من دون أيِّ مبرر يدعو إلى ذلك، خاصة وأن قادة الجيش الوطني الشعبي منذ بداية الحراك لم يعلنوا لا صراحة ولا ضمنيا عن أطماعهم في السلطة، بل العكس فقد أعلنوا مرارا عن التزامهم بأحكام الدستور، ومرافقة مطالب الشعب الشرعية وتحقيقها.

خلاصة القول إنه يجب الابتعاد عن توظيف أخطاء وقعت أثناء الثورة التحريرية التي تحوَّلت إلى فتنة كادت أن تعصف بالمسار الثوري، لولا يقظة مفجِّريها وتصحيحها في الوقت المناسب.

إن جبهة التحرير الوطني لم تكن هيكلا مستقلا، لأن مؤسسيها كانوا جميعا تقريبا على رأس مناطق عسكرية.
ما يهمنا الآن هو السعي الجاد من الجميع للوصول إلى وضع خطة طريق لأجل تشكيل لجنةٍ وطنية كاملة الصلاحية للإشراف على عملية الانتخابات الرئاسية في أسرع وقت.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!