-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الانتصار بلا انتظار

عمار يزلي
  • 747
  • 0
الانتصار بلا انتظار

إذا كان يوم عيد النصر يوم 19 مارس 1962، قد تحقَّق بعون الله وجهاد وتضحيات شعب بأكمله وعلى رأسهم أوائل وأواخر كوكبة الشهداء الأطهار، فاليوم، هو يوم نصر آخر على مخلفات الاستعمار.
الجزائر وهي تجتاز عتبة اللارجوع للماضي بمآسيه وإخفاقاته التنموية والثقافية والسياسية بفعل عوامل الماضي نفسه، فإنها اليوم تسارع الخطى في اتجاه يضمن السير قُدما وبخطوات أسرع ما يكون لتدارك ما فات بناء على واقع جيوسياسي جديد، لا تريد أن تكون الجزائر فيه بلا فاعلية.
الحراك بدأ نحو تنويع الشراكات الاقتصادية مع الشركاء الموثوقين تاريخيا وعلى رأسهم الدول الصديقة: نقلت تعاونها إلى مستوى “استراتيجي” مع إيطاليا كممثل للقارة الأوروبية، وروسيا والصين كدول عظمى آسيوية، فالدول العربية والإسلامية من دول الخليج إلى مصر إلى تركيا، فدول الجوار والجوار الإفريقي باتجاه عمق القارة، فدول أمريكا الجنوبية… عادت لتنشط بقوة ضمن تكتل سياسي كاد أن يفقد بريقه وقوته التي استمدها من مؤتمر باندونغ 1955: دول عدم الانحياز. إنها اليوم تسعى مع 12 دولة أخرى من بينها السعودية والإمارات وإيران، إلى الولوج إلى أسواق التكتل الاقتصادي الواعد “بريكس”.
ما حصل قبل أيام في بكين، بين السعودية وإيران برعاية صينية، كان مدوٍّيا لدى كثير من القوى التقليدية التي باتت تخشى فقدان هيمنتها على المنطقة وعلى رأسها “دولة” الكيان والولايات المتحدة اللتان كانتا تريان في التطبيع بين “إسرائيل” والدول العربية مفتاحَ الأمن والأمان لهما للبقاء في المنطقة لضمان مصالحهما الإستراتيجية ومنع التمدُّد الصيني الروسي في المنطقة. كان خبرا سيِّئا من دون شك للكيان العبري، لكونه طالما عمل على دقِّ الإسفين بين إيران وشعوب المنطقة ككل عبر التبشير بالإبراهيمية والتخويف من البعبع الشيعي.
التطبيع اليوم وغدا، ومهما ستقوم به أمريكا والغرب وإسرائيل من محاولات عرقلة الاندماج الاقتصادي والتقارب بين شعوب المنطقة، لن يفلح، لأن دول الخليج لم تعُد تلك الدول القاصر: لقد كبُرت ونمت وعرفت نفسها وحجمها وقوَّتها الحقيقية ورغبتها في الاستقرار والأمن الذاتي عبر تعاون بين الجيران في مجال الأمن الإقليمي بدون تدخُّلات قوى غير إقليمية أخرى لشقِّ عرى الأخوَّة في الدين والتاريخ والجغرافيا لأجل أعين كيان مغتصِب مزروع كخنجر في قلب المنطقة لإجهاض كل رغبة في التحرر والسيادة والوحدة بين شعوب المنطقة.
الكيان الصهيوني الذي يواجه اليوم أزمة وجودية، لم يفاجَأ بخطوة التقارب الإيراني السعودي فحسب، بل اشتد عليه الخناق، وهو اليوم بين نار التصدع ونار الاكتواء بلظى انهيار كل ما بناه من جدُر من رمل ومحاولات دق الأسافين والتبشير بالتطبيع وبتحالفات غير طبيعية في منطقة طبيعتها هي الوحدة والتحالف بين الإخوة في الدين والجوار.
الجزائر، ليست بعيدة عن هذا النصر: فإيران العائدة قريبا إلى الصف الإقليمي الطبيعي بتعاون وثيق مع روسيا والصين وتركيا، ستعمل على تعزيز الوحدة العربية في قمة الرياض المقبلة وضمن قمة العرب ـ إفريقيا، وحتى ضمن لقاءات أخرى في روسيا ضمن قمة إفريقية ـ روسية، وستعمل على تحييد الخلافات بين العرب أنفسهم مادام أن الجليد قد بدأ يذوب بين الفرقاء بمنطقة الخليج.
انتصارُنا اليوم، هو بداية لبناء جدار أمني واق من أي انفلات أو عودة إلى الخلف، وسيكون على المغرب أن يفهم أن حلّ قضية الصحراء الغربية أضمن له وأنفع اقتصاديا، وأن الطعن في الظهر والتطبيع إلى زوال، وأن إيران ليست العدو وإنما العدو هو دولة الكيان.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!