-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الانجليزية في الابتدائي.. قرارٌ تاريخي

حسين لقرع
  • 2311
  • 1
الانجليزية في الابتدائي.. قرارٌ تاريخي

لا ريب أنّ قرار تقديم تعليم الإنجليزية من التعليم المتوسّط إلى الابتدائي، قد أثلج صدر كلِّ جزائريٍّ غيور على وطنه، حريصٍ على مستقبل أطفاله، وعلى ضرورة مواكبتهم العصر وآخر ما يستجدّ في ميدان العلم والتكنولوجيا والمعرفة من خلال تعلّم اللغة العالمية الأولى، ولن يُعادي هذا القرارَ التاريخي سوى الأقلية الفرنكوفيلية التي عملت طيلة 60 سنة كاملة من الاستقلال، على تأبيدِ هيمنة الفرنسية ومنحِها الاحتكار كلُغةٍ أجنبية أولى بلا منافس أو منازع.

اليوم يمكن أن نأمل في تصحيح الأوضاع، والقضاء على هذا الاحتكار، وفتح آفاقٍ معرفية أوسع للملايين من أطفالنا الذين كانوا يُجبَرون على منح الأولوية في جهدهم التعلّمي لهذه اللغة بدل الانجليزية التي أصبحت اللغةَ الأجنبية الأولى في المنظومات التعليمية للكثير من بلدان العالم.

ومع إسناد المهمّة إلى “الخبراء والمختصّين” للقيام بـ”دراسة عميقة” حول كيفية تجسيد القرار، حسب بيان مجلس الوزراء يوم 19 جوان الجاري، نودُّ أن نتساءل عمَّا إذا كان ذلك سيجري على حساب الفرنسية؟ أم تُدرَّس اللغتان معا؟ أم نترك للتلاميذ حرّية اختيار دراسة هذه اللغة أو تلك ونفتح قسمين للّغتين لفائدة تلاميذ كلِّ سنة من سنوات الابتدائي؟

نعتقد أنّ تدريس اللغتين معا، يعني الاستمرار في مداهنة التيار الفرانكفيلي لدرء شرّه ومكائده، ما سيُربك التلاميذ وهم في هذه السنّ المبكّرة؛ إذ ليس معقولا أن يدرس تلميذٌ في الثامنة من العمر ثلاث لغاتٍ دفعة واحدة أو حتى أربعًا إذا كان يدرس الأمازيغية أيضا.. هذا “الازدحامُ اللغوي” سيضرّ بالتلاميذ ويُرهِقهم ذهنيّا، ولا نعتقد أنّ هناك بلدا في العالم يدرس أطفاله ثلاث إلى أربع لغات في مرحلتهم الابتدائية.

أما الاختيارُ بين اللغتين، فيعني أيضا المساواة بينهما، في حين أنّ الجميع يعرف أنّ البون شاسعٌ بينهما، وحتى فرنسا نفسها تقرُّ بتقدُّم الانجليزية على لغتها، ولاسيما في ميدان البحث العلمي، وتتَّجه تدريجيا إلى منحها مكانتها التي تستحقّ في منظومتها التعليمية.

ويبقى الحلُّ الأنسب والمعقول هو أن نعكس ما هو حاصلٌ في مدارسنا منذ 60 سنة كاملة، ونقوم بدحْرَجة الفرنسية إلى التعليم المتوسط، وتقديم الإنجليزية إلى الثالثة ابتدائي.

وفي كلّ الأحوال، نودّ أن يأخذ الموضوعُ وقتا كافيا وأن لا نتسرّع في تنفيذه، لا نريد أن يُشرَع في تطبيق القرار في الموسم الدراسي القادم الذي سيبدأ بعد شهرين فقط من الآن، لأنّ ذلك سيؤدّي إلى فشله ومن ثمّة إلغاء المشروع والعودة إلى نقطة الصفر والإبقاء على الهيمنة العقيمة للّغة الفرنسية.. ينبغي البُعد عن الاندفاع والحماس الزائد وأن نحضِّر جيّدا لتنفيذ هذا القرار التاريخي على صعيد تكوين آلاف الأساتذة من خرّيجي معاهد اللغة الانجليزية وتحضير الكتب المدرسية المبسَّطة المُناسِبة للقُدرات الاستيعابية للأطفال… وغيرها من الجوانب التي يجب أن تحظى بالنقاش العميق، ولا بأس أن نشرع في تجربة محدودة من خلال بعض الأقسام النموذجية في مدارس معيّنة ببعض ولايات الوطن قبل تعميمها لاحقا.

إننا نفضّل التطبيق الشامل للقرار بعد عامين أو حتى ثلاثة أعوام من الآن، وبعد توفير جميع التدابير والشروط الضرورية لنجاحه، بدل أن نطبِّقه في سبتمبر المقبل أو حتى بعد عام واحد، ثم يُمنى بفشلٍ مدوّ يُشفي غليل الفرانكوش ويمنحهم ذريعة كافية لتأبيد هيمنة “لغتهم” المفضّلة على منظومتنا التربوية عقودا أخرى.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • لزهر

    في المستقبل لو نُضيف إليها المُواطنة و بديهيات الإعلام الآلي سَنُنتج جيل يصعب إختِراقُه.