الرأي

البحث عن المنح في المحن

حبيب راشدين
  • 1850
  • 8
ح.م

ثلاثة أرباع البشرية وُضعت تحت الإغلاق والحجر القسري في المنازل، مع تعطيل الشعائر الدينية والتجمعات بجميع أشكالها، فيما يشبه “البروفا” والتدريب الذي يسبق فرض حالة إغلاق أشدّ قسوة في القادم من الأسابيع والشهور، وسط حملة تضليل عالمية غير مسبوقة، تواطأت فيها حكومات العالم على الكذب، سواء كانت الجائحة حقيقة أم كذبة، وكانت الحصيلة قرابة 10 آلاف ضحية كما يدّعي المقتصد، أو الملايين كما يروِّج له المجتهد بلا علم.

وإذا كانت الحصيلة لا تزيد عن 10 آلاف ضحية في ثلاثة أشهر منذ بداية انتشار الوباء، تكون الحكومات قد تواطأت على اعتماد جماعي متناغم لإدارة غير متوازنة مع حجم الضرر والأخطار، خاصة وأن أكبر بؤرة للجائحة في الصين قد حوصرت بكفاءة، ورُوِّض “كوفيد 19” داخل أكبر تجمُّع بشري وفي زمن قياسي، وما كُتب له النجاح في الصين، يمكن أن ينجح على الأقل في الدول الصناعية الغنية.

ما هو واضحٌ للعيان، قابل للرصد، أن أغلب الدول التي رصدت بشحٍّ بضعة ملايين من الدولارات لتعزيز نظامها الصحي رغم التهويل، ورأيناها في دول صناعية غنية تتلكأ في توفير الأقنعة لأطقمها الطبية، ناهيك عن أجهزة التنفس وأسِرَّة الإنعاش، لكنها لم تتردَّد لحظة في تخصيص ألف مليار دولار في الولايات المتحدة و750 مليار يورو في أوروبا، لدعم البنوك والمؤسسات المضارِبة في البورصات وكبرى شركات التأمين، وعبَّرت عن استعدادها لتحمُّل عبء الديون المسمومة كما فعلت إبَّان أزمة الرهن العقاري، فيما صرفت النظر عن كارثة السقوط الحرّ لأسعار النفط الذي هو أبرز مؤشر عن إفلاس الاقتصاد العالمي وتوقف آلة الإنتاج فيه.

ولأننا في الجزائر، وفي عموم العالم العربي، لم تصل الحصيلة عندنا في ثلاثة أشهر ما سُجِّل في يوم واحد في بلدٍ مثل إيطاليا، لم نكن بحاجة للهرولة إلى هذا الإغلاق المتسرّع، وكان يحسن بنا أن نصرف طاقاتنا بالكامل لبحث تبعات الانهيار الاقتصادي الذي يهدِّدنا بأخطر من أيِّ وباء، خاصة وأننا دولٌ مستهلِكة غير منتِجة للغذاء، تعتمد اقتصادياتنا في أفضل الأحوال على تصدير منتَج واحد مهدد بالكساد، وبعضنا مرتهن للسياحة، وأكثريتنا غارقة في المديونية، بلا احتياطي مالي للتعامل مع تبعات كارثة اقتصادية غير مسبوقة.

تعطيل النشاط التجاري والخدمي في بلداننا كان بلا شك إجراءً غير محسوب العواقب، في دول موبوءة أصلا بالبطالة، وباعتماد نصف سكانها على التقوُّت من الاقتصاد الموازي، سوف تواجه معه في أجل مرئي تفاقم البطالة فوق الأربعين بالمائة أو أكثر، مع تقييد حركة التنقل وإغلاق كثير من المحال التجارية، والأسواق، والمقاهي، والمطاعم، من دون اتخاذ أي إجراء لدعم ومساعدة الملايين من الأسر التي تقتات أساسا من هذا النشاط.

ومن جهة الاستعداد لتبعات الانهيار الاقتصادي العالمي، لا نعلم ماذا أعدَّت له دولنا، منفردة أو متضامنة، حين تعترف الدول العظمى المتحكمة في الاقتصاد العالمي أخيرا بحقيقة الانهيار، وربما تكون قد توافقت في السِّر داخل دوائر ضيقة حول طبيعة النظام الاقتصادي والمالي الذي سوف يعوِّض النموذج المفلس المهيمن منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

وفي كل الأحوال، لا عائد يُرجى من هذا التخويف الموهِن للعزائم، والتهويل المبالغ فيه، لا بالجائحة الفيروسية ـ حتى وإن كانت كما يصفونها ـ ولا بالانهيار المبرمج للاقتصاد العالمي المتستَّر عنه.

 فالأولى قابلة للعلاج، بمصارحة المواطنين بالحقيقة كيفما كانت، ثم بطلب الحكومة للدعم الشعبي الطوعي، بالتجنيد والتضامن والانضباط كما فعلت الحكومة الصينية، وقد رفعت منذ البداية شعار “حرب الشعب”.

والثانية حين يصرَّح بها، تحمل أكثر من منحة وفرصة لدولنا ولشعوبنا التي لم يكن لها نصيبٌ يُذكر في النظام الاقتصادي القائم، وبوسعها ـ لو أحسنت القراءة والاستشراف المبكر ـ أن تغتنم الانهيار كفرصة ومنحة تاريخية لاقتطاع حصتها من النظام الجديد المتوقع، والذي سوف يُؤسَّس حتما على ركام العولمة الاقتصادية والسياسية والمالية التي بلغت نهاية تاريخها، وعلى أنقاض النظام المالي الربوي المجرم، تستعيد فيه الدولة القُطرية دورها القيادي المختطَف في الاقتصاد والتحكم في فضاء الإقليم وفي الحدود، بما هو أقرب إلى التحرير الفعلي من أسر العولمة، وتغوُّل كبار لصوصها وقراصنتها.

 

 

 

مقالات ذات صلة