-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

البغدادي.. حقيقة الوهم المتعالي في عقل سياسي مهزوم

البغدادي.. حقيقة الوهم المتعالي في عقل سياسي مهزوم
ح.م

مات أبو بكر البغدادي، كما مات أسامة بن لادن، وكما مات قبله أبو مصعب الزرقاوي، بسلاح أمريكي، في أماكن مختلفة، في ظروف مختلفة، وبقرارات رؤساء متعاقبين، توَّجوا بطولاتهم بانتصار وهمي على الإرهاب.

أسماء وهمية تتساقط، ورؤساء يرتقون عرش البطولة، ويختفون وراءها حين تحاصرهم الأزمات، في محاولتهم لاجتذاب مكانتهم المفقودة لدى الرأي العام الأمريكي.

جورج بوش، صانع الكوارث التي دمرت الشرق الأوسط، وقف متباهيا بمقتل الإرهابي أبو مصعب الزرقاوي عام 2006 على الحدود العراقية الإيرانية، بينما كان الشعب الأمريكي يقف مستاءً من وصول توابيت الجنود الأمريكيين الساقطين برصاص المقاومة العراقية، ووصف مقتله بأنه “ضربة قوية لتنظيم القاعدة، وقد واجه المصير الذي يستحقه بعد العمليات الإرهابية التي نفذها في العراق“.

باراك أوباما الرئيس الذي هزت أركانَ قيادته أزمة المال التي هددت أمريكا واقتصاديات العالم أجمع سنة 2008، رآه الشعب الأمريكي نذير شؤم لفقر يدقُّ الأبواب، الأزمة تصاعدت واخترقت العشرية الأولى من القرن الـ21 وأوباما يفقد رصيده، لولا الاستنجاد بمقتل أسامة بن لادن في آبوت أباد بباكستان سنة 2011، والاختفاء بنصرٍ وهمي، يغير اتجاهات الرأي العام، لكنه لم يُخرج أمريكا من عجز مالي تتناقل الأجيال مساوئه.

دونالد ترامب رئيس كانت الملاحقة قدره من قبل خصومه، ورصد زلاته وإثارتها، أملا في عزله، فمنذ فضيحة الدور الروسي في الانتخابات الرئاسية التي أزاح بها منافسته هيلاري كلينتون، والضغوط تحاصره “جرائم ومخالفات”، وآخرها طلبه من المسؤولين الأوكرانيين التحقيق في مزاعم الفساد ضد جو بايدن، المُنافِس الديمقراطي له في انتخابات الرئاسة المقبلة.

لم تهدد ترامب “الجرائم والمخالفات” وحدها بالعزل؛ فالدبلوماسيون الأمريكيون القادرون على تشخيص السياسة الخارجية الأمريكية، رأوا أنَّ الوضع الراهن في سوريا يُعدُّ كارثة صنعها الرئيس ترامب لنفسه، وهي كارثة قد تؤدِّي إلى خسارته الانتخابات الرئاسية في العام القادم.

لن تكون أزمة سوريا سببا مباشرا لعزل ترامب بسبب قراراته الأخيرة المتعلقة بسحب الجيش الأمريكي من شمال سوريا ضمن ملف “الجرائم والمخالفات” التي يُتَّهم بارتكابها، والتي يناقشها مجلس النواب الأمريكي الآن.

لا يخشى الرئيس ترامب من إجراءات الديمقراطيين في الكونغرس الأمريكي، لفرض قرارات عزله، فهذه الإجراءات ستصطدم بجدار مجلس الشيوخ بأغلبيته الجمهورية.

ولكن الكارثة الإستراتيجية التي تتفاعل نتائجها الآن جراء التخبُّط في العلاقات الأمريكية – التركية حول إدارة الملف السوري، بما يضع قاعدة لنهاية عهد ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

فتح ترامب بوّابة الانفراج من ضغوطٍ قادرة على خنق مساره الرئاسي، قبل إتمام عهدته الأولى، أو الإخفاق في الوصول إلى عهدة رئاسية ثانية، بالإعلان شخصيا عن مقتل زعيم تنظيم “داعش” الإرهابي أبو بكر البغدادي في غارة نفذها “الكوماندوس” الأمريكي.

أمريكا مازالت اللاعب القوي في سوريا، وبدت خطة انسحاب الجيش الأمريكي التي قررها ترامب، وكأنها تكتيكٌ عسكري، أجاد استخدامه بتحقيق نصر استراتيجي على أخطر تنظيم إرهابي في العالم، يعدُّ تخفيفا لوطأة الضغوط التي تحاصره، وسلاحا معنويا يعيد خصومه إلى خنادقهم.

انتصار بوش على الزرقاوي، وانتصار أوباما برمي جثة بن لادن في البحر، لم يُبعد العالم عن مرمى مدافع الإرهاب الذي تنامى وأضحى “دولة” امتدَّت حدودها من العراق إلى سوريا ودمرت كل مظاهر الحياة، فهل نؤمن بنهاية الإرهاب وتدمير قواعده بالإعلان البطولي عن مقتل في نفق لا منفذ له؟

هو الموت الذي يرتقي إلى “حقيقة الوهم” المتعالي في عقلٍ سياسي مهزوم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!