الرأي

البهيمة تحنّ إلى الاستقلال

ح.م

في الثاني من هذا الشهر مرت ثلاث وثمانون سنة على دخول ميصالي الحاج إلى الجزائر بعدما كان يناضل في فرنسا مع حزب “نجم شمال إفريقيا”. والنضال في فرنسا ليس كالنضال في الجزائر، فهناك الحرية النسبية، ومساندة الشيوعيين الفرنسيين له، تكثيرا لسوادهم في صراعهم السياسي ضد أبناء جلدتهم من أتباع الأحزاب الأخرى.

لقد تزامن دخول ميصالي الحاج مع عقد وفد “المؤتمر الإسلامي” لمهرجان ضخم في ملعب العناصر (20 أوت)، لإطلاع الجزائريين على نتائج مهمة وفد المؤتمر في باريس، وقد أحيا بعض الإخوة من المتعاطفين مع ميصالي الحاج هذه الذكرى فعقد لقاء لذلك.. وقد كانت نهاية ميصالي الحاج غير حسنة، ونعوذ بالله من السلب بعد العطاء.

نعرف أن ميصالي الحاج لم يشارك في وفد المؤتمر الإسلامي، لأنه لم يكن موجودا في الجزائر، ولأنه كان معترضا على مطلبين من مطالب المؤتمر.

ودّ ميصالي أن يكون في المنصة لتناول الكلمة، فاعترض ابن جلول – رئيس المؤتمر- ولكن الإمام ابن باديس “الديموقراطي” أمر أن يمكّن ميصالي من إبداء رأيه، وإسماع صوته مهما يختلف معه.. بينما عارض “الديموقراطيون” تمكين ميصالي من إلقاء كلمته..

لقد أيّد ميصالي جميع مطالب المؤتمر ماعدا مطلبين، أحدهما لم يفهم هدفه، والثاني آمن به بعد عشر سنوات من ذلك التاريخ بعدما كفر به كثير ممن طلبوه..

فأما المطلب الذي لم يفهم ميصالي هدفه فهو “إلحاق” الجزائر بفرنسا، وإلغاء الولاية العامة، وذلك لنزع السلطة المطلقة من أيدي شر الخلق، وهم الكولون، الذين كانوا يسيطرون على ميزانية الجزائر، وتوجيهها لمصلحتهم فقط، عبر ما كان يسمى آنذاك “المجلس المالي”.

وأما المطلب الآخر الذي بدا لميصالي فيه بداء، فأحلّه بعد تحريمه، فهو انتخاب ممثلين جزائريين لمجلس النواب الفرنسي، وهو ما قبله ميصالي بعد الحرب العالمية الثانية..

لقد أكثر مناضلو “النجم” من تكرار كلمة “الاستقلال”، التي لا يرفضها إلا عميل أو مجنون، وما كان الإمام ابن باديس وأعضاء جمعيته عملاء أو مجانين.. وقد خاطب الإمام ابن باديس الشعب الجزائري في ذلك اليوم وعلى مسمع من ميصالي فقال: “إن عملك ماهو إلا خطوة ووثبة ووراءه خطوات ووثبات، وبعدها إما الحياة وإما الممات”. (الشهاب. سبتمبر 1936 ص 272). ولكن – كمال قال الإمام الإبراهيمي: “فما أنا على إفهام الناس بمسيطر”. (الشهاب. أكتوبر 1936).

راح الإمام ابن باديس يعمل ويعدّ لليوم الذي كان يراه قريبا، ويراه كثير “غيره مستحيلا أو بعيدا.. وكان سمع كثيرا من الناس يكتفون من الاستقلال بذكره دون أن يعدّو له لإعداد اللازم، فكتب قائلا: “إن البهيمة تحنّ إلى الاستقلال”. (الشهاب. جويلية 1937. ص236).

رحمك الله يا ابن باديس، لقد عشت حرا تحت الاستدمار الفرنسي، وهاهم مدّعو الوطنية يعيشون “عبيدا” لفرنسا في عهد “الاستقلال”.

مقالات ذات صلة