الرأي

“البُوحمرون” يهزم مُستشفيات السّويد؟!

محمد حمادي
  • 3547
  • 9

أمراض القرون الوسطى التي انقرضت في بلدان كانت توصف إلى وقت قريب بأنّها فقيرة وتتذيل ترتيب الدول في مجال الرّعاية الصحية، ها هي تعود لتضرب بقوة في بلدٍ وصفه أحد عرابي تسويق الوهم بأنه “أفضل من السويد”، حتى جاءنا بأسُ “البوحمرون” بياتا؛ فهزّ منظومتنا الصّحية المتهالكة، وعرّى سياسة التسيير العرجاء للهياكل الاستشفائية، التي لم تقو على مواجهة هذا الداء الخطير، فهزمها بالضّربة القاضية، ونحن في الألفية الثالثة؛ حيث لا صوت يعلو فوق صوت التكنولوجيا المتطوّرة، التي توفر تجهيزات طبية فائقة الدّقة، تشخِّص المرض وتساعد في وضع العلاج المناسب له!

وزير الصحة مختار حسبلاوي الذي أعلن الاثنين الفارط عن تسجيل 600 إصابة بداء “البوحمرون” في ولايتي الوادي وورقلة، عزا انتشار هذا الداء الخطير إلى عدم حرص المصابين على التلقيح، لكن أين حملات التحسيس والتوعية الجادّة التي من المفترض أن تطلقها مديريات الصّحة عبر الولايات؟ لماذا غاب التنسيق بين هذه المديريات والجمعيات والمؤسسات التربوية؟ أين دور الوزارة الوصية في رسم معالم خارطة صحية على المديين المنظور والبعيد لمواجهة الأوبئة ومختلف الأمراض الفتاكة؟

الحقيقة المرّة، هي أنّ تسويق الوهم على أنّه حقيقة، أضحى ديدنا للمسؤولين عندنا على اختلاف مناصبهم وتعددّ قطاعاتهم، عبر تصريحات يقارنون فيها ما لا يقارَن، فازدادت الأوضاع بؤسا على كافة الأصعدة؛ فعوض الإسراع في تقديم الحلول لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وتجنب كارثة صحية وشيكة، يتخفى المسؤولون عندنا وراء تبريرات واهية، يتسابق فيها الجميع لإلصاق التهم بالجميع؛ فتكون الحقيقة أكبر ضحية، ومعها أولئك الأهالي الذين فقدوا ذويهم بسبب مرض، تصادمت الروايات بشأنه في مناسبات عدّة، إذا كان “بوحمرون” أو طفحا جلديا أو حتى انفلونزا موسمية؟!

“البوحمرون” الذي ضرب بقوة ليزعزع السّكينة، ويخطف الطمأنينة من أهالي مدينة الألف قبّة وقبّة، مسجِّلا المئات من حالات الإصابة، فضلا عن عدد من الوفيات خاصة بين الأطفال، أثبت أنّ قطاع الصحة ببلادنا، دخل غرفة الإنعاش في ولايات، وشُيّع إلى مثواه الأخير في أخرى، ما يزال مرضاها يقطعون الآلاف من الكيلومترات من أجل فحص بالأشعة، أو حصة علاجية بسيطة، تؤمِّنها أصغر العيادات الطبية.  

قطاع الصحة الذي صوّره بعض المسؤولين عندنا على أنّه يحاكي تجارب دول متطورة في هذا المجال على غرار السويد، لم يصمد أمام داء “بوحمرون”، وفضحته تلك الصورة الدرامية التي تناقلها رواد “فايسبوك” لطفل مُلقى في صحراء الوادي وهو يئنُّ بسبب “البوحمرون” الذي فتك بجسده.

هذا المشهد المؤسف الذي تلوَّن بمشاعر الأسى والحزن عبر الفضاء الأزرق، فضح إنسانيتنا المغشوشة، وأبان حجم المعاناة التي تكابدها العائلات الفقيرة، التي لا تملك حتى مصاريف نقل ابنها بواسطة سيارة مؤجرة إلى أقرب مستشفى. وأي مستشفى ذاك الذي تنعدم فيه الأجهزة الطبية ويغيب عنه الأطباء المختصّون؟! 

من يواسي العائلات المفجوعة في فقدان فلذات أكبادها؟ من يخفف من هول الصدمة التي هزت أوصالها وحفرت أخاديد من الحزن في أفئدتها؟

ويبقى السؤال الجوهري الذي نطرحه في كلّ مرّة على عرّابي الوهم: أين يستوطن هذا الوضع البائس: هل في مستشفيات ستوكهولم؟ أم أمستردام؟ أم كوبنهاغن؟ أم أوسلو؟

مقالات ذات صلة