الرأي

التجربة الإندونيسية

أرشيف

“العداء الأزلي” بين بعض الجزائريين والعمل، هو نتاج فشل كل السياسات المتعاقبة التي تغنت بشعارات العمل والصرامة لضمان المستقبل، والرجل المناسب في المكان المناسب، وأهملت تجسيد مختلف الشعارات، فأصبح الجزائري والعمل خطان متوازيان لا يلتقيان، وبقيت الحقيبة الوزارية المناسبة بين أيد غير مناسبة، فاختلطت العاطفة بالعمل، والممارسة الدينية بالدراسة، فضاع كل شيء، وطفت إلى السطح بعض الفقاعات التي تزعم دفاعها عن الإسلام وهي تهدمه، وأخرى تزعم أنها ترص البنيان التربوي والتعليمي وهي في الحقيقة تهدّه، وقد نكون البلد الوحيد الذي يؤخر الامتحانات المصيرية من بكالوريا ومقاييس الجامعة، إذا تزامنت مع شهر الصيام، ونمنع الصلاة في المؤسسات التعليمية حتى لا ندفن التربية والتعليم، وكأننا نقرّ بأن شهر الصيام لا يليق بالأمم المتعلمة والعاملة، ونقرّ بأن الصلاة لا تتناسب مع التعليم.

سنحت لنا الفرصة منذ سنوات قليلة، لزيارة بلاد إندونيسيا التي أصبحت ضمن القوى الاقتصادية العشرين الكبرى في العالم، منذ أن نفذ النفط من أراضيها، وزرنا عددا من مصانع الطائرات والبواخر، وحقول الأرز والفاكهة الإستوائية، فشدّنا نظام العمل في هذه البلاد الإسلامية المتطورة التي تبني في كل مؤسسة اقتصادية أو إدارية أو تربوية مسجدا كبيرا وليس مصلى، بينما تندر المساجد في العاصمة جاكارتا وفي بقية الجزر، وتقام الصلاة بما فيها صلاة الجمعة في قلب هذه المؤسسات والجامعات  ويحضرها مدير المؤسسة وبقية الإطارات والعمال، ثم يعود الجميع إلى العمل، ويعوّضون زمن الصلاة من جهدهم وعطائهم، الذي حوّلهم إلى نموذج عالمي يصدّر منتجاته إلى روسيا واليابان والولايات المتحدة وأوربا وحتى إلى الصين، بينما تعجز مختلف السياسات المهنية والتعليمية عندنا عن عقد شراكة متينة بين الإنسان والعمل، وبين الطالب والعلم، لا تزعزعها مختلف الأركان الدينية، التي جعلت بعضنا يتوجس خيفة من شهر الصيام وكأنه غول يعذب طلبتنا، وجعلت بعض المسؤولين يغفلون على طقوس الشعوذة والضياع في الفضاء الأزرق، ويهزون الدنيا ولا يقعدوها بسبب صلاة تلميذة.

مازال الفعل في الجزائر رهين نزوة من دون تخطيط ولا تفكير، كما كان الشأن في قضية منع الصلاة في المؤسسات التعليمية، ومازال ردّ الفعل، رهين الارتجالية والانفعال والعاطفة، كما حدث من حملات غير مدروسة، قاد بعضها من لم يدخل مدرسة ولا مسجد في حياته، فمن غير المعقول أن يصدر المنع من مسؤول من دون سند قانوني، ومن غير المعقول أن يُسائل برلمانيون المسؤول، من دون المطالبة بقانون يحمي التربية والتعليم والشعيرة الدينية، حتى لا تبقى البلاد في كل مرة في حالة “دوخة” على “دوختها” المزمنة، بسبب قضية عادية في قطاع كبير، فيصبح التعليم عندنا مشكلة نتحيّن له العطل الدينية والوطنية، ويصبح الصوم عندنا ألم نبحث فيه لأبنائنا عن دواء، وتصبح الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، قضية تائهة، تسقط من حقيبة وزارية، وتحلق في مواقع التواصل الاجتماعي وتحت قبة البرلمان.

مقالات ذات صلة