-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

التخوين يهدم الأوطان..!

التخوين يهدم الأوطان..!
ح.م

قبل سبعة أشهر بالتمام، أبهر الجزائريون العالم بحراك سلمي لم تشهده المنطقة العربية في ربيعها المنتكس، فثاروا عن بكرة أبيهم بالملايين في كل الحواضر، حتّى سقطت العصابة بكل رموزها ومخططاتها، ومع ذلك لم تُكسر زجاجة واحدة ولا خُرّب مرفق عمومي، إلا ما كان في حوادث معزولة، لا علاقة لها بالتظاهر الجماهيري، فما بالك أن تُراق قطرة دم من جزائري، بل واصل المحتجون كل جمعة وثلاثاء مسيراتهم بمرافقة أمنيّة وفي هدوء جماعي، دحض تلك الأحكام الجاهزة التي لاحقت مواطنينا في كل مكان من المعمورة بالعنف والعصبيّة.

وشكلت مظاهر التلاحم الشعبي والإنساني الذي ذابت في ثناياه الفوارق الجهوية والإيديولوجية والسياسية والفئوية صورا رائعة للوعي الجمعي في الالتفاف حول القضايا المصيرية الحاسمة لمستقبل الأمة.

حدث ذلك يوم كانت الوُجهة واحدة ومطالب الجماهير موحدة في الميدان، لكن بتطور الأحداث وتباين الآراء حول المخارج والحلول منذ مطلع أفريل، أصبح الشكّ يراودنا في أن التعايش والسلميّة التي تغنّينا بها ردحًا من الزمن هشّة، وقد تكون أوهن من بيت العنكبوت.

صحيح أنّ الحراك لا يزال يحتفظ بطابعة السلمي، غير أنه يفقد تدريجيّا خاصيّة التعايش السياسي التي تجعل الاختلاف والتعدد مكمن قوة وثراء لا عامل ضعف أو معول هدم، وهو ما يجسده تنامي خطاب التخوين والكراهية بشكل مخيف على مواقع التواصل الاجتماعي هذه الأيام، بل وصل الأمر على خلفيّة ذلك إلى حدّ التعنيف في حقّ رموز الحراك، على يد متظاهرين مُختلفين.

قد يرى البعض أنّ ما يجري من انحرافات خطيرة يبقى في نطاق الخطابات المشحونة ولا يمكن أن يهدد التماسك المجتمعي، غير أن تهوين هذه الظاهرة المذمومة هو استخفاف غير عقلاني بمآلات العنف اللفظي والأدبي والمعنوي والنفسي الذي نعيش على وقعه مؤخرا بشكل حادّ.

هل ينكر أحد أنّ الجزائريين أضحوْا لا يتحاورون حول راهنهم السياسي إلا بلغة السب والشتم والتجريح، بل بلغ الانزلاق إلى مستوى الاتهام بالعمالة الأجنبيّة والتخوين والتآمر وبيع الضمائر، ولا نقصد أبدا تلك الرسائل الموجهة من القيادة العليا للبلاد لجهات محددة في الداخل أو الخارج، لأنّنا لا نملك المعطيات الحقيقية بشأنها، ولا حتّى النقد العنيف الذي تتعرض له رموز الفتنة في العواصم الأوروبية، بل نعني الخطاب اليومي المتداول بين المواطنين البسطاء والنزهاء الذين يكتوون ألمًا على واقع وطنهم، والصادم أن ينساق بين هؤلاء قطاع من النخبة المتعلمة والمثقفة وراء خطاب البغضاء والشحناء.

ولذلك ليس مقبولاً على الإطلاق رمي الرافضين للانتخابات، لمخاوف مشروعة من التزوير، أنهم مصطفّون ضدّ مصلحة الوطن، كما أنّ قذف المتخوفين من الفراغ وضياع الفرصة التاريخية بخدمة النظام مُدان.

الأصل أن يظل نقاش الآراء والمقاربات مهما تباعدت في حدود التقبّل والاحترام، بعيدا عن المزايدات الوطنية أو الأخلاقيّة، لأنّ تعدّد المواقف من طبيعة الاختلاف في قراءة الواقع وتقدير الأوضاع، وهي كلها اجتهادات تقريبيّة تحدّدها المعطيات والإدراكات، تُوجب أن لا إنكار في القناعات ولا إكراه في المعتقدات.

على الجزائريين المتشاكسين اليوم أن يستحضروا سنوات التسعينات المريرة، ليتأكدوا من حقيقتين: أولاهما أنّ العنف اللفظي يعبّد الطريق نحو العنف المادي، لأنه يبرّره، وثانيهما أنّ المراحل السياسيّة على حساسيتها تبقى مجرد محطات عابرة، أمّا المجتمعات والعلاقات الإنسانية فهي باقية، وتماسكها من وحدة الأوطان واستقرارها العام.

 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • المهاجر

    لقد أخطأت التشخيص يا أستاذ. التخوين فزاعة النظام و من يتبعه من الغةغاء على مواقع التواصل الاجتماعي. حتى و إن يكن اختلاف بين أطراف الحراك إلا انه لم يتعدى الاختلاف في الرأي. أما من بدعون الباديسية النوفمبرية زورا فقد انهالوا بالسب و الشتم و التخوين في حق المتظاهرين الذين أبدوا سلمية لا مثال لها في الجزائر رغم تصعيد سقف المطالب المشروعة إلى ذهاب كل العصابة فمن غير المعقول ان يكون من رافق كل عهدات بةتفليقة و حتى الخامسة قيل أن يتشجّع بالحراك، أقول لا يمكن ان يكون طرفا في الحل و اكثر من ذلك قائدا له.

  • صالح بوقدير

    العنف مرفوض من أي طرف كان والبادي أظلم لكن من عفى وأصلح فأجره على الله لاتنطرإلى ذئاب التواصل الافتراصي ولكن انظر الى التلاحم والتآخي والتآزرعلى أرض الواقع فالحراك لايزال بخير وعما قريب يحقق مراده فلا تكن من القانطيين