-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الترقية في قطاع الوظيفة العمومية.. الإطار التشريعي وفلسفة البناء

محمد بوخطة
  • 17173
  • 1
الترقية في قطاع الوظيفة العمومية.. الإطار التشريعي وفلسفة البناء
ح.م

مفهوم الترقية في الوظيفة العمومية لا يبتعد كثيرا عن مدلولها في اللغة الذي يعني الارتفاع والعلو والزيادة، فترقية الموظف أثناء مساره المهني تعني انتقاله من وضعية إلى وضعية أرقى وأرفع بالمعنى المادي كما بالمعنى الأدبي ـ سيأتي بيانه ـ وهي حق من حقوقه تكرسه مختلف النصوص والقوانين.

الترقية نوعان:
1 ـ ترقية أفقية: وتعني التدرُّج، أي انتقال الموظف من درجة إلى درجة أعلى، تنص المادة 09 من المرسوم الرئاسي 07ـ 304 المحدد للشبكة الاستدلالية لمرتبات الموظفين ونظام دفع رواتبهم: “تتمثل الترقية في الدرجة في الانتقال من درجة إلى درجة أعلى منها مباشرة بصفة مستمرة في حدود 12 درجة حسب مدد تتراوح بين 30 و42 سنة”.
2 ـ ترقية عمودية: وهي انتقال الموظف من رتبة إلى الرتبة التي تعلوها مباشرة وفق الترتيب الذي تنص عليه القوانين الأساسية الخاصة القطاعية، كما تنص المادة 38 من الأمر 06ـ 03 المتضمن القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية “للموظف الحق في التكوين وتحسين المستوى والترقية في الرتبة خلال حياته المهنية”.
الغايات والأهداف: إن فلسفة الترقية قائمة على جملة من المعاني نجملها فيما يلي:
1ـ تحسين تكوين الموظف وتحديثه بما يضمن له أداءً أفضل في مهامه الحالية أو مهامه الجديدة، ولذلك ارتبطت الترقية بالتكوين، تنص المادة
104 من الأمر 06ـ 03 “يتعين على الإدارة تنظيم دورات التكوين وتحسين المستوى بصفة دائمة قصد ضمان تحسين تأهيل الموظف
وترقيته وتأهيله لمهام جديدة”.
2ـ التقييم الدوري المستمر للموظف الذي يهدف إلى تقدير مؤهلاته المهنية وفقا لمناهج ملائمة كما تنص المادة 97 من المرسوم 06ـ 03 والذي يمكِّن المستخدِم من وضع يده على مواطن الضعف التي يجب أن يتولاها بالعناية ضمن المنهاج المتكامل للقطاع.
3ـ تثمين الخبرة المهنية بالعناية المادية بالموظف من خلال استفادته من المنح والامتيازات المرتبطة بالمردودية وتحسين الأداء كما تنص المادة
98 من ذات المرسوم.
4ـ بعث روح المنافسة والتباري بين الموظفين على مختلف الرتب والمهام للارتقاء بالوظيفة العمومية، ولذلك فإن التقييم المُفضي إلى الترقية لا بد أن يراعي الواجبات الأساسية المنصوص عليها في القوانين الأساسية لاسيما: الكفاءة المهنية، الفعالية والمردودية، كيفية الخدمة… وهو فحوى المادة 99.
5ـ الاعتبار الأدبي في الترقية الذي يصنع نوعا من السلطة السلمية الأدبية بين الرتب منشؤها الاحترام والتقدير ومعيار التفوق العلمي والخدْمي
وغايتها الاستفادة من خبرة الأعلى رتبة.. ولا يُخفى ما تحققه من اختصار للزمن في مشاريع التكوين بالنسبة للموظفين الجدد.
إن استيعاب مثل هذه المعاني التي تهدف إليها الترقية يستهجن تماما المطالبة بجعلها آلية لا ترتبط إلا بمعيار واحد وهو الزمن، مثل هذا المطلب يحولها إلى مجرد “أقدمية” صماء بدون هدف ولا غاية،
كما أنه يلغي دور الفروق الفردية الحاصلة بالطبيعة الإنسانية بين مختلف الموظفين والتي يؤدي اعتبارها وتثمينها إلى بث روح المنافسة.
إن مثل هذه المطالبة إنما هي نتيجة لطغيان الهدف المادي وسطوته على الغايات الأخرى.. هذا لا يعني استهجان المطالبة المادية بل إن العناية المادية بالموظف حقُّه وواجب الدولة بما يضمن له الحياة الكريمة ولا يجوز أبدا الالتفاف عليه ولكن في سياق منسجم ومستمر وواضح غير ملتبس بغيره من الغايات..
إذا استوعبنا حقيقة الترقية وغاياتها، فإن الترقية العمودية بطبيعتها التي تستجيب لتأهيل الموظف للمهام الجديدة المرتبطة بالوظيفة لا يمكن إلا أن تكون هرمية في شكل مثلث قاعدته إلى الأسفل، تتناقص عدديا كلما علت رتبتُها بالنسبة للرتبة القاعدية في التوظيف، بمعنى أنه لا يمكن أن ينالها الجميع وإلا زالت كل المعاني التي قامت عليها من تنافسية وتقييم وتثمين للجهد ومراعاة للفروق الفردية.
يعني أن الترقية العمودية مرتبطة بعدد المناصب الذي يتحكم فيه معياران الأول المهام المراد تغطيتها والثاني تأهيل الموظف الجدير بها، والتي يجب أن يخضع توزيعها على المؤسسات لنفس المعايير ما يحتاج إلى حنكة وضبط في تسيير المورد البشري وحسن إدارته والاستفادة منه.
ولا بأس من التعريج باختصار على بعض التفاصيل الإجرائية التي عادة ما تكون محل تساؤل عند الموظفين:
أولا: تقع الترقية في الدرجة وفق ثلاث مدد: دنيا 2,5 سنة ومتوسطة 3 سنة وقصوى 3,5 سنوات، وهو مقتضى المادتين 10 و11 من المرسوم الرئاسي 07ـ 304 بنسب 40%، 40%، 20% على التوالي ويتم ترتيب الموظفين حسب الاستحقاق وفق أحكام المادة 99 من الأمر 06ـ 03، غير أنه بالنسبة لأسلاك التدريس في قطاع التربية الوطنية فقد نصت المادة 21 من المرسوم التنفيذي 08ـ 315 المعدل
والمتمم المتضمن القانون الأساسي الخاص بالموظفين المنتمين للأسلاك الخاصة بالتربية الوطنية على امتياز استفادتهم من الترقية في
الدرجة وفق وتيرتين فقط دنيا ومتوسطة تماشيا مع أحكام المادة 12 من المرسوم 07ـ 304، بنسبة 60% و40% على التوالي.
ثانيا: ـ تقع الترقية في الرتبة عن طريق التسجيل على قائم التأهيل لمن استكمل 10 سنوات على الأقل في الرتبة الأدنى مباشرة من الرتبة المعنية بالترقية عند تاريخ 31/12 من السنة الأدنى مباشرة ولأن المسار المهني للموظفين لا يتجاوز ثلاث رتب فإن الموظف لا يستفيد من الترقية عن طريق التأهيل إلا مرة واحدة في مساره وفقا لأحكام المادة 107 من الأمر 06ـ 03 الفقرة الأخيرة.
ـ أو عن طريق الامتحان أو الفحص المهني لمن استكمل 05 سنوات أقدمية في الرتبة الأدنى مباشرة.
ثالثاً: يجدر التنبيه إلى أن النسب المطبقة على نمطي الترقية تحددها القوانين الأساسية الخاصة غير أن المادة 05 من المرسوم التنفيذي
12ـ 194 المحدد لكيفيات تنظيم الامتحانات والمسابقات والفحوص المهنية في المؤسسات والإدارات العمومية ـ الفقرة الثانيةـ أَذنت بمخالفة ذلك وفقاٍ لاحتياجات القطاع وضوابط العلاقة مع الشركاء الاجتماعيين.
رابعاً: تتكفل الإدارة بتكوين ملف ترشح الموظف الذي استوفى الشروط القانونية وهو ما نصت عليه المادة 14 من المرسوم التنفيذي 12ـ 194 الفقرة الأخيرة، ويمكن للإدارة أن تعلن قائمة المستوفين للشروط القانونية للترشح حتى تتجنب إرباك الموظفين وتكدُّس طلباتهم.
إن استيعاب مثل هذه المعاني التي تهدف إليها الترقية يستهجن تماما المطالبة بجعلها آلية لا ترتبط إلا بمعيار واحد وهو الزمن، مثل هذا المطلب يحولها إلى مجرد “أقدمية” صماء دون هدف ولا غاية، كما أنه يلغي دور الفروق الفردية الحاصلة بالطبيعة الإنسانية بين مختلف الموظفين التي يؤدي اعتبارها وتثمينها إلى بث روح المنافسة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • بدر

    الترقية في الوظيفة العمومية أحد أسباب الإصابة بالسكري أو ضغط الدم.
    أنا مثلاً عملت منذ 2003 كتقني سامي في إحدى المستشفيات و عندما أمضيت 5 سنوات و أصبح من حقي المشاركة في مسابقة الترقية لرتبة مهندس تطبيقي، تم (فجأة) إلغاء هذا التصنيف (مهندس تطبيقي) و لم يتم تعويضه بأي تصنيف آخر و بقيت حالتي عالقة حتى 2018 (أي 15 بعد سنة ) تم تدراك الأمر و لكن بخطأ أكبر حيث تم توعيض مهنس تطبيقي برتبتين هما مسعد مهندس أول و ثاني ! حيث تمت ترقية بصفة آلية إلى مساعد مهندس أول و قيل لي أنه يجب أن تعمل الآن 5 سنوات أخرى للمشاركة في الترقية لرتبة م.مهندس 2 و بالتلي ضاعت الـ 15 سنة هباءاً منثوراً