-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

التّكفير المسكوت عنه

سلطان بركاني
  • 3933
  • 0
التّكفير المسكوت عنه

التّكفير، بلاء اكتوت بناره أمّة الإسلام، تبنّاه في مختلف مراحل تاريخها قوم حُدثاء الأسنان، غلوا في الحكم على الجماعات والأعيان، ووصل بهم الأمر إلى حدّ إنزال آياتٍ من السنّة والقرآن، هي في الأصل مختصّة بالكفّار وعبدة الأوثان، على أهل الإسلام والإيمان، وقد وُوجه سعي هؤلاء الغلاة بالنّكير من علماء الأمّة وأعلامها الذين دحضوا الشّبه وأبانوا الشّطط، وردّوا على دعاة التّكفير على اختلاف مللهم ومذاهبهم، لكنّ الإعلام الانتقائيّ الموجّه، استطاع أن يشغل قطاعا كبيرا من الأمّة في السّنوات الأخيرة، عن التنبّه لخطر نهج تكفيريّ يُعدّ الأكثر غلوا في التّنظير، والأشدّ عدوانية ودموية في الممارسة، هو التّكفير الشّيعيّ الإماميّ الاثنا عشريّ.

 

أكبر مذهب تكفيريّ ابتليت به الأمّة

المذهب الشّيعيّ الاثنا عشريّ هو أكبر مذهب تكفيريّ عرفته الأمّة في تاريخها، فاق في غلوّه وشططه مذهب الخوارج، يتلذّذ أتباعه بتكفير ولعن صفوة هذه الأمّة بعد نبيّها، وتكفير كلّ من لا يرضى تكفيرهم ولعنهم. مذهب تؤصّل مصادره لتكفير جماهير الصحابة وتتّهمهم –باستثناء قلّة قليلة منهم- بالردّة عن دين الله جلّ وعلا، وتخصّ الخلفاء الرّاشدين والقادة الفاتحين وأمّي المؤمنين عائشة وحفصة بمزيد من اللّعن والطّعن، وقد وصل الأمر بأساطين هذا المذهب إلى حدٍّ جعل علامتهم الملقّب عندهم بـ”شيخ الإسلام” محمد باقر المجلسي يقول في كتابه “الاعتقادات، ص90-91” وهو يبيّن عقيدة الشّيعة في خيار الصحابة: “وممّا عُدّ من ضروريّات دين الإماميّة: استحلال المتعة، وحجّ التّمتّع، والبراءة من الثّلاثة”، وبلغت به الجرأة إلى حدٍّ جعله يعقد في موسوعته بحار الأنوار بابًا بعنوان “باب كفر الثّلاثة ونفاقهم وفضائح أعمالهم وقبائح آثارهم وفضل التبرّي منهم ولعنهم” (بحار الأنوار: 30/ 145)، ويقصد بالثلاثة أبا بكر وعمر وعثمان!!!.

مذهب يجعل تفضيلَ أبي بكر وعمر على سائر الصّحابة كفرًا يخلّد صاحبه في النّار، يقول المجلسي: “اعلم أنّ إطلاق لفظ الشرك والكفر على من لم يعتقد إمامة أمير المؤمنين والأئمّة من ولده وفضّل عليهم غيرهم يدلّ على أنّهم كفار مخلّدون في النار” (بحار الأنوار: 23/ 390).

مذهبٌ تذهب تقريرات بعض علمائه إلى نفي الإيمان عن أهل السنّة، والحكم بخلودهم في النّار، فهذا مثلا زعيم حوزة النّجف في زمانه، أبو القاسم الخوئي (ت 1992م) يقول: “فالصّحيح الحكم بطهارة جميع المخالفين للشيعة الإثني عشرية وإسلامهم ظاهرا بلا فرق في ذلك بين أهل الخلاف وبين غيرهم، وإن كان جميعهم في الحقيقة كافرين، وهم الذين سمّيناهم بمسلم الدنيا وكافر الآخرة” (كتاب الطهارة: 02/ 87)، ويذهب الخوئي بعيدا إلى حدّ التّرغيب في الدّعاء على موتى المسلمين من أهل السنّة، مقتفيا في ذلك أثر شيخ الشّيعة في زمانه محمّد بن محمّد بن النّعمان الملقّب بالمفيد (ت 413هـ) الذي قال: “ولا يجوز لأحد من أهل الإيمان أن يغسّل مخالفا للحقّ في الولاء ولا يصلّي عليه إلا أن تدعوه ضرورة إلى ذلك من جهة التقية، فيغسّله تغسيل أهل الخلاف ولا يترك معه جريدة، وإذا صلّى عليه لعنه في صلاته ولم يدْعُ له فيها”. (المقنعة: ص85)!!!، بل ويذهب أحد أساطين هذا المذهب إلى حدّ القول بأنّ الشّيعة لا يجتمعون مع أهل السنّة “على إله ولا على نبيّ ولا على إمام، وذلك أنّهم (أهل السنّة) يقولون إنّ ربّهم هو الذي كان محمّد نبيّه، وخليفته من بعدُ أبو بكر، ونحن لا نقول بهذا الربّ ولا بذلك النبيّ، بل نقول: إنّ الربّ الذي خليفة نبيّه أبو بكر ليس ربّنا ولا ذلك النّبيّ نبيّنا” (نعمة الله الجزائري، الأنوار النّعمانيّة: 02/ 278)!!!.

 

فاتورة التّكفير الشيعيّ الباهظة

عقائد التّكفير التي ينضح بها المذهب الشّيعيّ، لم تبق حبيسة الكتب، بل تُرجمت إلى واقع على عهد الدويلات التي قامت على هذا المذهب أو المذاهب الشّيعيّة القريبة منه، والتي لم تر منها الأمّة سوى الفتن والقلاقل والإيغال في استفزاز المسلمين بالطّعن في الصحابة وإرهاب كلّ من يجرؤ على الاعتراض؛ فعندما قامت الدولة العبيدية الشّيعيّة –التي تسمّى زورا الدّولة الفاطميّة- في المغرب العربيّ عام 296هـ، أظهر الشيعة العبيديون شنائع لم تكن تُتصوّر، منها ما ذكره القاضي عياض المالكي (ت 544هـ) في كتابه “ترتيب المدارك: 02/ 318″ حيث قال: ” كان أهل السنة بالقيروان أيّام بني عبيد، في حالة شديدة من الاهتضام والتستّر، كأنّهم ذمّة، تجري عليهم في كثرة الأيام محن شديدة، ولمّا أظهر بنو عبيد أمرهم، ونصبوا حسيناً الأعمى السبّاب لعنه الله تعالى، في الأسواق، للسبّ بأسجاعٍ لُقِّنها، يوصل منها إلى سبّ النبيّ صلى الله عليه وسلم، في ألفاظ حفظها، كقوله لعنه الله: العنوا الغار وما وعى، والكساء وما حوى، وغير ذلك، وعلّقت رؤوس الكباش والحمر على أبواب الحوانيت، عليها قراطيس معلقة، مكتوب فيها أسماء الصحابة. اشتد الأمر على أهل السنة. فمن تكلم أو تحرك قتل ومُثّل به”.

وعندما قام للعبيديين كيان في مصر، تتابع حكامهم على إصدار القوانين التي ترسّخ للعقائد الشّيعيّة، وتُلزم النّاس سبَّ الصّحابة وتُعاقب من يُنكر أو يمتنع، ومن ذلك ما ذكره ابن خلكان في “الوفيات” بقوله: “وكان العاضد (الخليفة العبيديّ العاضد لدين الله، بويع سنة 555هـ) شديد التشيّع، متغالياً في سبّ الصّحابة رضوان الله عليهم، وإذا رأى سنياً استحلّ دمه”، والأمر ذاته حدث عندما استولى الشيعة العبيديون على بغداد، يقول ابن خلكان: “وفيها (سنة 350هـ) كتب عامّة الشيعة ببغداد بأمر معزّ الدولة على المساجد سبّ الصحابة، فأمّا الخليفة (العبّاسيّ) فكان محكوماً عليه لا يقدر على المنع، وأمّا معزّ الدولة فإنّ بعض الناس حكّ هذا المكتوب ليلاً فأراد أن يأمر بإعادته فأشار عليه الوزير أبو محمد المهلبي بأن يكتب مكان ما مُحيي: لعن الله الظالمين لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله، ولا يذكر أحداً في اللعن، ففعل ذلك” (وفيات الأعيان، 01/ 407).

وعندما قامت الدّولة الصّفويّة في إيران عام 907هـ على يد مؤسسها الشاه إسماعيل بن حيدر الصفوي الشيعي، أقدمت على إبادة الآلاف من أهل السنة من العامة والعلماء، ففي العاصمة تبريز وحدها كان السنة فيها لا يقلّون عن 65% من السكان، فقُتل منهم في يوم واحد 40 ألف سني رفضوا التحوّل إلى مذهب الشيعة، كما أجبر الألوف على التحوّل قسرا إلى مذهب الإمامية. (تاريخ الصفويين وحضارتهم، لبديع جمعة وأحمد الخولي: ص55)، وكان الشاه يتّخذ سبّ الخلفاء الثلاثة وسيلة لامتحان الإيرانيين، فمن يسمع السبّ منهم يجب عليه أن يهتف بالموافقة، وإلا قطعت رقبته!.

أمّا ما تفعله الدويلات والجماعات التي نشأت على هذا المذهب في أيامنا هذه، فلعلّ آثاره لا تخفى على كلّ متابع متجرّد يرى ما تفعله المليشيات المدفوعة بالحقد الطائفيّ الأعمى وبثارات التاريخ، ويرى أصابع الاتّهام التي يوجّهها أهل الشّام والعراق خاصّة إلى جماعات تمارس أبشع صنوف التّطهير الطّائفيّ والمذهبيّ وتسعى وراء هدف واضح صنع خارج أرض الشّام وأرض العراق، ربّما تكون دول الاستكبار قد وافقت عليه أو على الأقلّ تغاضت عنه، لأنّه يخدم أحد أهمّ أهدافها في التّمكين لكيان يقدّم لها خدماتٍ ترقى إلى مستوى الخدمات التي قدّمتها الدولة الصفويّة في قرون خلت.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!