-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
ما‮ ‬لا‮ ‬يقال

الثورة‮ ‬العربية‮ ‬والغرب

الثورة‮ ‬العربية‮ ‬والغرب

يحلو لبعض الدارسين من الغرب والعرب نسبة الثورات العربية الراهنة إلى الثورات الأوروبية الملونة، ويحلو للبعض الآخر ممن هم ضدها أن يعيد الفضل في قيامها إلى أمريكا أو أوروبا دون أن يطرح أحد من الطرفين تساؤلا:

  • هل‮ ‬يمكن‮ ‬وضع‮ ‬ثورات‮ ‬العالم‮ ‬في‮ ‬سلة‮ ‬واحدة؟‮ ‬وكيف‮ ‬نفسّر‮ ‬تخلي‮ ‬أمريكا‮ ‬والغرب‮ ‬عن‮ ‬حلفائها‮ ‬أمثال‮ ‬حسني‮ ‬مبارك‮ ‬وزين‮ ‬العابدين‮ ‬بن‮ ‬علي‮ ‬ومعمر‮ ‬القذافي‮ ‬وبشار‮ ‬الأسد‮ ‬وعلي‮ ‬عبد‮ ‬الله‮ ‬صالح؟
  •  
  • عود‮ ‬الأمل‮ “‬المنشود‮”‬
  • أعادت الثورات التونسية والمصرية الأمل المنشود إلى الشعوب العربية في قدراتها وابداعاتها وإمكانية الالتحاق بركب التطور التكنولوجي والحضاري بالانعتاق من التبعية للآخر، والمشاركة في صناعة القرار الوطني والإقليمي والدولي.
  • وبفضل الثورة انهار أول جدار للخوف من التغيير وانبثق فجر جديد،  وسقطت أطروحة الشعب يحتاج إلى بطل، ولا يتحرك إلا بمهماز الاحتلال الأجنبي، وتراجع دعاة الفكر القومي، والأحزاب التي تقود الشعوب، وتفكك النظام السياسي العربي الداعم للأنظمة الشمولية باسم شعارات “المقاومة‮ ‬والممانعة‮” ‬والقضية‮ ‬الفلسطينية‮ ‬والوحدة‮ ‬العربية‮.‬
  • وأنهت‮ ‬الثورة‮ ‬فكرة‮ ‬الوصاية‮ ‬على‮ ‬الشعوب،‮ ‬وفقدت‮ ‬الأيديولوجيات‮ ‬حضورها‮ ‬في‮ ‬الحراك‮ ‬السياسي‮ ‬العربي،‮ ‬وألقت‮ ‬بظلالها‮ ‬على‮ ‬النضال‮ ‬السياسي،‮ ‬فباتت‮ ‬الأحزاب‮ ‬تلهث‮ ‬وراء‮ ‬الثورات‮ ‬علّها‮ ‬تجد‮ ‬موقعا‮ ‬لها‮ ‬في‮ ‬الشارع‮ ‬العربي‮.‬
  • اشتركت‮ ‬الثورات‮ ‬العربية‮ ‬في‮ ‬المطالبة‮ ‬بالحرية‮ ‬والكرامة‮ ‬وحقوق‮ ‬المواطنة‮ ‬في‮ ‬ظل‮ ‬نظام‮ ‬جديد‮ ‬شعاره‮ ‬سقوط‮ ‬الاستبداد‮ ‬ومحاكمة‮ ‬رؤوس‮ ‬الفساد‮.‬
  • غيرت الثورات في كثير من المفاهيم والعادات والسلوك لدى أفراد المجتمع، ونمط التفكير المهيمن الساحة السياسية والفكرية وهي الادعاء بأن مهمة التغيير تقوم بها الأحزاب والمثقفون، فد أزيح الحمل عن كاهليهما، فل تعد الجماهير تلتف حول الزعيم أو الحزب القائد أو الخطيب، أو نجوم السياسة بحيث لم يحظ عمرو موسى رئيس الجامعة العربية في ميدان التحرير بالقاهرة بأية حفاوة، ولم ينزل الثوار في تونس لاستقبال رؤساء الأحزاب الذين كانوا في المنفى، وإنما حافظوا على العمل الجماعي والتنسيق بين القيادات الثورية، وصارت الساحات العمومية أشبه‮ ‬بالساحات‮ ‬اليونانية‮ ‬في‮ ‬عهد‮ ‬سقراط‮ ‬وأفلاطون‮.‬
  • استيقظت الجماهير المغيبة من غفوتها وأيقظت في الشارع العربي الإحساس بدورها في صناعة القرار، وأعادت للنظام العربي حجمه الطبيعي، ووضعت حدّا لـ “القوة الناعمة” في التغيير، على حد تعبير الرئيس الأمريكي أوباما، وتجاوزت الخطاب التأسيسي الليبرالي العربي الذي صاحب حركة النهضة بعدم الفصل بين الحرية والكرامة ومحاكمة رموز النظام، وإقامة نظام جديد لا يستند إلى قيادات الثورة ولا يعطيها الشرعية في الحكم أو التسيير وإنما يترك ذلك للصندوق في الانتخاب، وقامت بتحييد المؤسسات العسكرية ودمقرطة العمل السياسي وتسيير البلاد والعباد‮.‬
  • صار التداول على السلطة مبدأ  أساسيا في التغيّير المرتقب وتمّ طي “الشرعية التاريخية والثورة والدبابة”، وتضاءل مفهوم قيادة الثورة مقابل شهداء الثورة، والسؤال المحرج: هل للثورات العربية الراهنة أيديولوجية جديد أم مجرد استمرار للايديولوجية الماضية؟
  • يبدو لي أن الاديولوجية الوحيدة المشتركة بين جميع الثورات السلمية أو التي أجبرت على حمل السلاح هي التغيير بمفهوم إعادة الاعتبار للمواطن والقانون في خدمة الجميع، ومهما اختلفت الإيديولوجيات التي سيعرضها المرشحون المحتملون في برامجهم، فإن الأوفر حظّا ليس من يحتمي‮ ‬بالإسلام‮ ‬للوصول‮ ‬إلى‮ ‬السلطة‮ ‬أو‮ ‬الاشتراكية‮ ‬للبقاء‮ ‬فيها‮ ‬أو‮ ‬الليبرالية‮ ‬لابتزاز‮ ‬الشعوب،‮ ‬وإنما‮ ‬من‮ ‬يطبق‮ ‬برنامحه‮ ‬السياسي‮ ‬في‮ ‬حدود‮ ‬الفترة‮ ‬المخولة‮ ‬له‮ ‬للحكم‮.‬
  •  
  • خطوط‮ ‬التقاطع‮ ‬بين‮ ‬الثورات
  • الثورة العربية بالمنظور الأمريكي “حدث تاريخي”، وبالمنظور الواقعي لا توجد دولة “محصنة ضد التغيير” والتغيير في السياسة الخارجية الأمريكي يعني “شدّ الحبل” من الوسط، فالحوار هو أساس التغيير في البحرين واليمن حتى يمكن حماية السعودية من التغيير، وهو في سوريا فصل‮ ‬النظام‮ ‬القائم‮ ‬عن‮ ‬عمقه‮ ‬الإيراني‮ ‬وقصّ‮ ‬جناحيه‮ ‬في‮ ‬حزب‮ ‬الله‮ ‬وحماس،‮ ‬ولهذا‮ ‬التزمت‮ ‬أمريكا‮ ‬السكوت‮ ‬والذي‮ ‬تنبهت‮ ‬إليه‮ ‬قيادة‮ ‬الثورة‮ ‬السورية‮ ‬فرفعت‮ ‬شعار‮ “‬صمتكم‮ ‬يقتلنا‮”.‬
  • والتخوّف الأمريكي مبرره هو التوسع الإيراني في البحرين واليمن واحتمال تأثير ذلك على الخريطة العربية، مما جعلها توعز إلى دول الخليج بقيادة السعودية بدعوة مملكتي الأردن والمغرب للانضمام إلي تكتل الخلي ودعمهما ماديا بهدف تشكيل “مملكة عربية” محصنة ضد التغيير المرتقب، وكأن هناك مشروعا لتقسيم الوطن العربي إلى نظامين سياسيين متباعدين وهما النظام البرلماني الذي ستأخذ به الثورة العربية مقابل النظام الملكي الذي ستدعمه أمريكا، وهي استراتيجية تهدف إلى حد من توسع الثورة العربية.
  • ولهذا فالقول بأن أمريكا عملت على استباق الأحداث بالدفع إلى “التغيير”، وهو شعار حمله أوباما خلال الرئاسيات الماضية، لا يخلو من مبالغة، إن لم يكن مغالطة للرأي العام العربي، وهو أشبه بالقول: إن الجنرال شارل ديغول هو الذي منح الجزائريين سيادتها واستقلالها حتى ينسى الشعب الجزائري 132 سنة من الاستيطان الفرنسي للجزائر، وهي مقولة يحاول أنصار القذافي تسويقها ضد الثورة الليبية بالزعم أن الرئيس الفرنسي ساركوزي هو الذي يدعم الثورة وهو الذي يقف وراءها وليس الشعب الليبي الذي عاش 40 سنة تحت حكم القذافي وعائلته دون أدنى مظاهر‮ ‬التحضر‮ ‬من‮ ‬سينما‮ ‬ومسرح‮ ‬وجمعيات‮ ‬ثقافية‮ ‬أو‮ ‬رياضية‮ ‬أو‮ ‬غيرها‮.‬
  • لا‮ ‬أحد‮ ‬منّا‮ ‬ينكر‮ ‬أن‮ ‬أمريكا‮ ‬والغرب‮ ‬يريدان‮ ‬الاستفادة‮ ‬مما‮ ‬يجري‮ ‬في‮ ‬الوطن‮ ‬العربي‮ ‬من‮ ‬أحداث‮ ‬سعيا‮ ‬إلى‮ ‬تقاسم‮ ‬خيراته‮ ‬وتحويله‮ ‬إلى‮ ‬سوق‮ ‬لمنتجاتهما‮.‬
  • إن‮ ‬المتأمل‮ ‬في‮ ‬الثورات‮ ‬الغربيّة‮ ‬التي‮ ‬تزامن‮ ‬مع‮ ‬سقوط‮ ‬جدار‮ ‬برلين‮ ‬وانهيار‮ ‬القطبيعة‮ ‬الثنائية‮ ‬يسجل‮ ‬مايلي‮:‬
  • أولا‮: ‬إن‮ ‬نهاية‮ ‬الحرب‮ ‬الباردة‮ ‬بين‮ ‬الاتحاد‮ ‬السوفياتي‮ ‬سابقا‮ ‬والغرب‮ ‬بقيادة‮ ‬أمريكا‮ ‬أدى‮ ‬إلى‮ ‬انهيار‮ ‬النظام‮ ‬الاقتصادي‮ ‬الشمولي‮ ‬وتفكك‮ “‬الأمبراطورية‮ ‬الاشتراكية‮”.‬
  • ثانيا‮: ‬ظهور‮ ‬أمريكا‮ ‬كأمبراطورية‮ ‬جديدة‮ ‬على‮ ‬أنقاض‮ “‬العقيدة‮ ‬الشيوعية‮” ‬ومحاولة‮ ‬احتواء‮ ‬دول‮ ‬أوروبا‮ ‬الشرقية‮.‬
  • ثالثا‮: ‬قيام‮ ‬الاتحاد‮ ‬الأوروبي‮ ‬مقابل‮ ‬أمريكا‮.‬
  • هذه‮ ‬العوامل‮ ‬جعلت‮ ‬الكثير‮ ‬من‮ ‬الدول‮ ‬التي‮ ‬كانت‮ ‬خليفة‮ ‬لروسيا‮ ‬أو‮ ‬تدور‮ ‬في‮ ‬فلكها‮ ‬تتحرك‮ ‬باتجاه‮ ‬القيام‮ ‬بثورات‮ ‬سماها‮ ‬الغرب‮ “‬ملونة‮” ‬بدأت‮ ‬في‮ ‬صربيا‮ ‬عام‮ ‬2000‮ ‬وجورجيا‮ ‬عام‮ ‬2003‮.‬
  • وإذا قارنا بين هذه الثورات الملونة والثورات العربية الراهنة نجد أنهما مختلفتان، فالثورات في أوروبا الشرقية كانت ضد التزوير في الانتخابات وحملت شعارات أحزابها. أما الثورات العربية فشعارها واحد وهو “الشعب يريد إسقاط النظام” وليس لها علاقة بالنظام السابق وقادتها‮ ‬ليسوا‮ ‬منه‮.‬
  • وإذا‮ ‬كانت‮ ‬الثورات‮ ‬الملونة‮ ‬جاءت‮ ‬مصاحبة‮ ‬لعداء‮ ‬ضد‮ ‬الإسلام‮ ‬والمسلمين‮ ‬فإن‮ ‬الثورات‮ ‬العربية‮ ‬جاءت‮ ‬استجابة‮ ‬لمطالب‮ ‬شعبية‮ ‬أساسها‮ ‬الحرية‮ ‬والكرامة‮ ‬وهدفها‮ ‬المنشود‮ ‬القضاء‮ ‬على‮ ‬الاستبداد‮ ‬ومحاكمة‮ ‬رموز‮ ‬الفساد‮.‬
  • قد‮ ‬يقول‮ ‬البعض‮: ‬وماذا‮ ‬عن‮ ‬نظرية‮ “‬الفوضى‮ ‬الخلاقة‮” ‬التي‮ ‬جاءت‮ ‬بها‮ ‬كونداليزا‮ ‬رايس‮ ‬في‮ ‬عهد‮ ‬حكم‮ ‬جورج‮ ‬والكر‮ ‬بوش؟‮ ‬أو‮ ‬ماذا‮ ‬عن‮ ‬شعار‮ “‬التغيير‮” ‬الذي‮ ‬حمله‮ ‬الحزب‮ ‬الديمقراطي‮ ‬بقيادة‮ ‬أوباما؟
  • لابد‮ ‬من‮ ‬الاعتراف‮ ‬أن‮ ‬الثوات‮ ‬الشعبية‮ ‬العربية‮ ‬قامت‮ ‬ضد‮ ‬أنظمة‮ ‬سياسية‮ ‬عربية‮ ‬متحالفة‮ ‬مع‮ ‬أمريكا‮ ‬والغرب‮.‬
  • وما‮ ‬يهمّ‮ ‬أمريكا‮ ‬والغرب‮ ‬هو‮ ‬حماية‮ “‬أمن‮ ‬اسرائيل‮” ‬والاستيلاء‮ ‬على‮ ‬الثورات‮ ‬تحت‮ ‬شعارات‮ ‬مختلفة‮ ‬بدءا‮ ‬من‮ “‬حماية‮ ‬المواطنين‮” ‬وانتهاء‮ ‬بالاعتراف‮ ‬بالمجالس‮ ‬الانتقالية‮.‬
  • ولكن‮ ‬الأهم‮ ‬بالنسبة‮ ‬للشعوب‮ ‬العربية‮ ‬هي‮ ‬أنها‮ ‬تحررت‮ ‬من‮ “‬كابوس‮” ‬توريث‮ ‬الحكم‮ ‬وهيمنة‮ ‬المؤسسة‮ ‬العسكرية‮ ‬ورموز‮ ‬الفساد‮ ‬في‮ ‬النظام،‮ ‬والتحالف‮ ‬بين‮ “‬المال‮ ‬والسلطة‮ ‬والسياسة‮ ‬والإعلام‮”.‬
  • وتبقى‮ ‬ثمار‮ ‬الثورات‮ ‬كثيرة‮ ‬ومتنوعة،‮ ‬فهو‮ ‬تبشر‮ ‬بيملاد‮ ‬نظام‮ ‬سياسي‮ ‬جديد،‮ ‬نعود‮ ‬إلى‮ ‬الحديث‮ ‬عنه‮ ‬لاحقا‮.‬
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • amine

    oui rabi ykoun m3ana