-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الثّبات رغم الفتن والابتلاءات

سلطان بركاني
  • 5002
  • 0
الثّبات رغم الفتن والابتلاءات

يُروى أنّ امرأة مؤمنة صالحة من نساء هذا الزّمان، نحسبها كذلك، في العقد الرّابع من عمرها، متزوّجة ولها أولاد، اختارت طريق الالتزام والاستقامة، وكانت تواجه طوفانا جارفا ممن كانوا حولها.. كلهم يريد لها أن تبتعد عن هذا الطريق الذي اختارته لنفسها، ولكنّ إصرارهم لم يزدها إلا ثباتا وإصرارا على الالتزام بدينها.. كانت تؤنس نفسها بكثرة المطالعة.. قرأت عشرات الكتب والمجلدات في العقيدة والرقائق والحديث والفقه لعلماء كثر.

كانت تقضي أكثر وقتها بين الصّلاة وقراءة القرآن، تصلّي أكثر الليل ولا تنام منه إلا بضع ساعات، فإذا صلّت الصّبح جلست تذكر الله حتى تشرق الشّمس فتصلّي ركعتين لتفوز بأجر حجّة وعمرة كاملتين تامّتين كلّ يوم، ثمّ تنام لتستيقظ السّاعة العاشرة والنصف صباحا، فتصلي  الضّحى، ثمّ تدخل المطبخ، فإذا حان وقت الظّهر صلّت الراتبة القبلية والظّهر والراتبة البعدية، ثمّ تتفرّغ لقراءة القرآن حتى يحين وقت صلاة العصر.. كانت تختم القرآن كلّ خمسة أيام أو سبعة، أمّا عن الصّيام فكانت تصوم صيام نبيّ الله داود عليه السلام؛ تصوم يوما وتفطر يوما، أما إذا أتى رمضان فلها معه شأن آخر؛ تختم القرآن كل يومين في العشر الأولى والعشر الثانية، فإذا دخل العشر الأواخر فلها شأن آخر.. تقوم تصلّي من بعد صلاة العشاء حتى قبيل الفجر بنصف ساعة.. ثمّ تتسحر وتصلي  صلاة الصّبح ثمّ تنام.

لم تكن تكتفي بهذا، فقد كان لها حظّ من الصّدقات، كانت تقوم بمساعدة الأسر الفقيرة بما أمكنها من طعام ولباس، كان لها حظّ من الدّعوة إلى الله، تشتري الكتب والرسائل الدعوية وتوزّعها على الناس.

أنسُها الوحيد في الخلوة مع الله ومناجاته والتزلف بين يديه ودعائه، الذين من حولها إذا رأوها على تلك الحال يقولون لها إنك سوف تفقدين بصرك، كانوا يسخرون منها، بل قد قال لها بعضهم: إذا كان هذا الذي تفعليه من دين محمد فنحن بريئون من هذا الدين!. أصبح همّ من حولها هو أن يثنوها ويردّوها عن هذا الطريق الذي اختارته لنفسها، بلغ بهم الأمر أن قالوا لها إنّك مسحورة، جاؤوها بالرّقاة فأكّدوا لهم أنّه لا بأس بها، في يوم من الأيام قالوا لها: سوف نذهب للعشاء عند قريب، وذهبوا بها إلى أحد المشعوذين المتاجرين بالرقية، أمسك بها هذا المشعوذ من عنقها بمساعدة أبنائها وزوجها وأخذ يضغط على عنقها حتى كادت روحها أن تخرج، وهي تتوسل لأولادها أن يخلصوها ولكن لم يستجب لها أحد منهم، صبرت وتحملت كل ذلك الأذى في سبيل دينها، بل قد بلغ الأمر بمن حولها إلى ضربها ضربا مبرحا دخلت على إثره المستشفى وأشرفت على الموت، كلّ هذا لتحيد عن التزامها ولكن هيهات هيهات، بل على العكس ممّا كانوا يتمنّون، ازداد إيمانها بالله وتمسّكها بحبله المتين.. وهي إلى غاية نشر قصّتها لا تزال على ما هي عليه من الثبات على التزامها، زوجها ومن حولها لا يزالون يريدون أن يثنونها عمّا هي عليه حتى تكون مثلهم وعلى طريقتهم في اللهو والعبث والخروج إلى الأماكن المختلطة والتبرج والسفور، وهي في صراع معهم ولا ملجأ لها تلجأ إليه في محنتها إلا الله سبحانه وتعالى.

هذه امرأة مسلمة تعيش زماننا هذا الذي نعيشه.. رفضت أن تتنازل عن حجابها ورفضت أن تترك صلاتها وصيامها وقيامها رغم ما تلاقيه من محن.. فلماذا يتهاون الواحد منّا في صلاته ويهجر القرآن لأجل دنيا لا يدري كم سيعيش فيها.. عشر سنوات أو خمسا أو ثلاثا.. بل ربّما شهورا أو أياما معدودات؟ لماذا تستحي المرأة المسلمة من حجابها لأجل نظرات النّاس من حولها؟ لماذا تتفنّن في حجابها وتلبس الضيّق أو القصير لأجل أن تحظى بإعجاب من حولها؟ تخشى إن هي لبست حجابا واسعا أن يقال عنها إنّها عجوز أو إنّها أخت؟.. هذه المرأة التي ذكرنا قصّتها تقضي ليلها قائمة بين يدي الله وتقضي نهارها مع كتاب الله.. فمع أيّ شيء تقضي أخواتنا المسلمات لياليهنّ؟ ومع أيّ شيء يقضين ساعات النّهار؟ ماذا خسرت هذه المرأة الصّالحة وماذا ربحت من تنام الثمانِ والعشرَ ساعات؟ أيام معدودات ويكون الجميع تحت التراب.. ثمّ يكون الموقف بين يدي العزيز الوهّاب.. ليُسأل كلّ عبد عن عمره فيم أفناه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!