الرأي

الجزائريون يصنعون التاريخ

حسان زهار
  • 2425
  • 15
ح.م

رغم النكسات والسقطات، ورغم الصفعات و”العصابات”.. نحن الجزائريون نكتب اليوم التاريخ.. ألا فانتبهوا.

من شأن الأرواح الشريرة التي تبث بيننا اليوم روح التيئيس، أن لا تنظر لنصف الكأس المملوءة، فهي مشغولة دائما بالنصف الفارغة، لأنها تصدر من عقول فارغة، لا تفكر إلا كما يفكر “البيدون” الفارغ، حين يصدر عند القرع عليه، صوت الفراغ.

نحن نصنع التاريخ نعم، ومن يشكك في ذلك عليه أن يفرك عينيه جيدا، ليرى كيف يحاكم الشعب جلاديه، الذين أذاقوه الويلات عقودا طويلة، وكيف يجرجرهم من السجون إلى المحاكم، ومن المحاكم إلى السجون، وأيديهم مغلولة بالأصفاد، في وجوههم ذلة ترهقهم قترة.

من لا يعتقد في محاكمة العصابة أننا لسنا أمام محاكمة تاريخية بكل المقاييس، عليه أن يراجع نفسه، ذلك أنه لم يحدث في تاريخ الجزائر كلها، أن شاهدنا صورا كالتي نشاهدها اليوم، وتاريخا كالذي نكتبه اليوم، حين يتذوق رموز الفساد والإجرام بعض الذي أذاقوه للناس، فتنزل تلك الصور التي يتابعها الملايين عبر الاعلام، لعصابة مذمومة مدحورة، بردا وسلاما على قلوب الشعب، فتكون شفاء للمظلومين.

ثم شئنا أم أبينا، كنا مع الانتخابات أو ضدها، فقد كانت المناظرة التلفزيونية بين المترشحين الخمسة للرئاسة، تاريخية بكل معنى الكلمة، حتى بالنقائص التي ظهرت بها، لكنها كانت محطة تاريخية أولى، تعلمنا فيها فنا كنا نسمع عنه فقط من خلال ممارسات الدول الديمقراطية، وسجلنا في دفاتر التاريخ أننا نخطو خطواتنا الأولى نحو الحوار، وسماع بعضنا البعض، في انتظار أن يصدر الشعب حكمه بكل سيادة.

المشكلة أن هناك من يريد أن تكون المحاكمة للنظام برُمَّته، لأنه يتمرد على سنن الكون في التغيير، عبر عدم الأخذ بالأسباب والتدرج، فيسقط في التطرف والمزايدات الفارغة، وقد غاب عنهم أن “ما لا يدرك كله لا يترك جله”.

كما أن هنالك من يريد أن يرى مناظرات في مستوى مناظرات الديمقراطية الأمريكية أو الفرنسية، بينما الشعب هو الشعب الجزائري، والنظام هو النظام الجزائري، وحتى النخبة هي نخبة جزائرية، وأن الأمر يحتاج ربما إلى عقود من الممارسة السليمة، حتى يكون من المنطق رفع سقف التوقعات بهذا الشكل.

لكننا مع ذلك نكتب تاريخنا، وهذا الحراك العظيم، كتب بأحرف من ذهب تاريخ الثاني والعشرين فبراير، والذي سيكون عيدا لا يقل شأنا عن تاريخ مبايعة الأمير عبد القادر، ورغم الاختراقات التي تعرض لها هذا الحراك، إلا أن محافظته على السلمية، بمرافقة الجيش الوطني، هو بحد ذاته، كتابة جديدة للتاريخ، عن الجزائري المتحضر، الذي مزق كل الأكاذيب التي روجتها العصابة، عن شعب قالت عنه أنه شعب عنيف وهمجي لا يستحق الحرية.

وسيكتب التاريخ، بفضل الرجال الشرفاء، أن أرضا في هذه المعمورة إسمها الجزائر، استمرت فيها ثورة الشارع لأكثر من تسعة أشهر، وهو يخرج بالملايين، لم تسقط فيها قطرة دم واحدة، لأنها باتت تملك جيشا وطنيا شعبيا حقيقيا، استرجعه الرجال بعد اختطافه ردحا من الزمن، ليكون أشرف جيش على وجه الأرض.

وغدا.. وإن غدا لناظره قريب، سيكتب الجزائريون أيضا، تاريخ مرحلة جديدة، عندما يخرجون للتصويت على رئيسهم الجديد، ويقطعوا بوعيهم الطريق على مخططات القوى الخارجية وأذنابها في الداخل، لإدخال البلاد في دوامة الفراغ والمراحل الانتقالية الملغمة، ليضمن بذلك وحدة البلاد، ويصون ثوابتها.

إننا بحق نعيش أياما مباركات وشهورا مفصلية، سيتقرر فيها على الأقل مصير الجزائر للأعوام الثلاثين المقبلة.. وسيذكر التاريخ مَن تقدم في هذا الوقت، ومَن تأخر، ومَن كان إلى جانب الوطن، ومَن تنكب السير.

لقد ظل تاريخنا يكتبه غيرنا، يكتبه الاستعمار أو يكتبه أولاد الاستعمار، أما اليوم فالشعب هو وحده من يكتب ويقرر ويأمر، حتى تعلم الأجيال القادمة، أن آباءهم وأجدادهم كانوا رجالا، لم يرتضوا في وطنهم الدنيَّة.

وعلى الذين يدرسون التاريخ، أن لا يقرأوا ما يحدث الآن بالجزائر قراءة غبية، فخلف السطور التي تكتب اليوم، معاني كبيرة.

مقالات ذات صلة