الرأي

الجزائري في القلب!

أرشيف

اقتنع الجزائري منذ عقود طويلة، بأنه بعيد عن أعين المسئولين وبعيد عن قلوبهم، ويدرك بأن الذي لا يجد له مكانا في قلب أهله، لن يجد له مكانا في قلب الآخرين، فهو إن بقي هنا لا أحد التفت إليه، حتى ولو وضع الشمس في يمين السلطة والقمر في يسارها، وإن سافر إلى الخارج بقي بعيدا عن كل الحواس والجوارح، وليس العين والقلب فقط.
وإذا كان المواطن الجزائري يبالغ بعض الشيء، في جعل هذا الإحساس، طوفاناً يحاصره في كل مكان وطوال العمر، ويريد دلالا زائدا من خلال طلب مجانية كل الضروريات وحتى الكماليات، فإن واقع الحال يؤكد بعضا من هذا الإحساس، بدليل قوافل الهجرة الشرعية وغير الشرعية التي تشق البحر وتغور في الجو، ناقلة زبدة المجتمع وعامة الناس إلى أي مكان في العالم، بعيدا عن هذا الإحساس الذي سكن في لبّ قناعة الجزائريين.
تطل الجارة تونس، ضمن مخططها السياحي الذي تأمل في أن تجني منه مليار دولار، بإشهار تفتح فيه أبواب مُركَّباتها السياحية طمعا في بلوغ رقم ثلاثة ملايين سائح جزائري، قبل نهاية سنة 2018 بعنوان “الجزائري في القلب”، وطبعا من حق أي بلد أو اقتصاد الاستفادة من الفراغ المادي والعاطفي المحيط به، ليس في عالم السياحة كما تفعل تونس والمغرب، وإنما في الزراعة والصناعة وحتى في التعليم والتربية كما فعلت معنا دائما فرنسا وسائر بلاد أوربا، فيكون الجزائري دائما في القلب، وطبعا للقلب تفسيرٌ آخر.
هل كان التونسي في قلب تونس حتى يكون الجزائري؟ هكذا سأل التونسيون.
وهل يمكن أن يكون الجزائري في قلب بلد آخر غير الجزائر؟ هذا ما ردّ به الجزائريون، ولكنهم جميعا يعلمون بأن النداء هو إشهارٌ سياحي، في عالم تبقى فيه الابتسامة والترحيب بالآخر هو المحرِّك الأساس لهاته الصناعة التي نجحت فيها تونس ونافست بلاد العالم، ويبدو أننا لن نمارسها إلى الأبد، ولا نقول ننافس أو ننجح فيها.
لا همّ للملايين من الجزائريين هذه الأيام، سوى صرف العملة أو شرائها من السوق السوداء لأجل أن يسيحوا في أي بقعة من بلاد العالم، ولا همّ للدولة سوى إقناع الجزائريين بما تمتلكه بلادهم من جمال طبيعي، لا يضاهيه أي جمال، ولكن الطرفين في هذه المعادلة نَسيا – أو ربما عن قصد- بأن الجسر العاطفي الرابط بينهما هُدّم منذ زمن، كما أصيب القلب الذي من المفترض أن يسكنه الجزائري بالسقم.
الجزائري يحلم بالدواء القادم من الخارج وهو يمتلك ثمانية آلاف طبيب مختص في فرنسا فقط، ويحلم بالتعلم والتمدرس في أوربا وفي أرضه عشرات الجامعات، ويحلم بالفتوى العابرة للقارات وتاريخه يزخر برجالات دين وعلم، وها هو يحلم بالاستجمام والراحة والمتعة في اسطنبول والحمامات وشرم الشيخ وبلاده متحف حُسن، وحلمه هنا مشروع، لكن أن يحلم بأن يسكن القلب، فذاك ما يجب أن لا يطمع فيه!

مقالات ذات صلة