-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الجزائر والعراق.. المسئولية الخاصة

صالح عوض
  • 1073
  • 2
الجزائر والعراق.. المسئولية الخاصة
ح.م

بالرغم من التباين الموضوعي بينهما، إلا أن ما جرى من حَراك في الجزائر وما يجري في العراق توحد تحت عنوان محاربة الفساد وإهدار الثروة وإضعاف المجتمع.. ومع وجود فوارق موضوعية بين تجربتي البلدين برزت في أن الفساد في العراق ملتبسٌ بالتدخل الخارجي الصارخ والذي عقَّد المَهمَّة، إلا أنه لابد من الانتباه إلى الانتصار الجزائري في ساحة المعارك على فرنسا، وكذلك مرّغ العراقيون أنف الاحتلال الأمريكي بالأوحال، الأمر الذي عزَّز في الجزائريِّ كما في العراقي الشعور بالاقتدار والعزة، وهذه تؤكد قيمة الوطنية في الحالتين وأنها وطنية إيجابية ستتجلى أهميتهما فيما بعد..

العراق يسير نحو هدف استرداد ثروته وبناء مؤسساته بمعيار وطني، وخاض الجزائريون معركة ضارية لتطهير المؤسسات مما أسموه عصابة خرّبت اقتصاد البلاد وأهدرت ثروته.. وقبل الحديث عن مميزات الموقعين الاستراتيجيين العراق والجزائر ينبغي أن نتأملهما في الإطار الحضاري العام للأمة لتحديد مسئولية كل منهما اتجاه نفسه واتجاه الأمة.

تتركز في الأمة مواقع انبعاث للإشعاعات الحضارية ذات خصوصية كما هو شأن أي كائن حي يكون لكل عضو فيه أهمية ووظيفة، إلا أن هناك مواقع جوهرية ذات خصوصية لا يمكن الاستغناء عنها لاستمرار الحياة، وفي هذا المقال سنحاول استكشافها بالتتبع والتقصي وتسليط الضوء عليها.

بالنظر إلى الجغرافية الإسلامية في إطار الخريطة البشرية نرى توسطها لتكون حسب تعريف السياسي الأمريكي الخطير هنري كيسنجر القارة المتوسطة، وهذه القارة المتوسطة تمتلك أكبر ثروة في العالم وفيها كتلة بشرية هائلة تنمو بشكل متميز وتحتوي أرضُها على شتى أنواع المعادن والثروات الضرورية لإحداث نهضة..

وفي القلب الروحي والنفسي والسياسي يقع الوطن العربي بما يمثله العرب من كتلة بشرية متواصلة تحفظ لغة الرسالة وتاريخها، وفي أرضهم ملاحم الإسلام التاريخية ومقدساته، وهم في واجهة الصراع مع التحدي الغربي، وتعجُّ أرضهم بالخيرات الوفيرة.. وهم بكل هذا يمثلون المغناطيس القوي لتحريك مشاعر القارة المتوسطة – الكتلة الإسلامية.

الحديث عن نهضة الأمة لا يمكن أن يتجاوز التوقف الواعي لاستيعاب قدرة العرب ونفاذيتهم في تفعيل مشروع نهضة الأمة، ولعل هذا أحد إعتراضات البعض على التكتل الاقتصادي الإسلامي المزمع عقده في كوالالمبور.. هنا يصبح ضرورة التفكير بجدية في تفعيل الكتلة العربية داخل مجالها الحيوي الكتلة الإسلامية وكأننا من جديد نعود إلى “الفكرة الأفرو آسيوية” لمالك بن نبي.

وفي المنطقة العربية نتحسس موقعين خاصين، فالجزائر والعراق يتميزان بعوامل خاصة تجعل لكل منهما قدرة توجيه معنوية على العرب، وينظر إليهما العرب على أنهما سيفهم وحصنهم والخندق الأمامي للدفاع عنهم في مشرقهم ومغربهم.. وعبر التاريخ انتقل كل منهما إلى ساحات معارك تتجاوز حدودهما دفاعا عن الأمة ورسالتها.. وبعيدا عن الإسهاب في التاريخ -رغم أهميته- إلا أننا لابد من تسجيل دور الجزائر في تأخير سقوط الأندلس قرونا عدة، ومساهمة الجزائر الكبيرة في تحرير بيت المقدس مع صلاح الدين الأيوبي، وكذلك إسهامات الجزائر المعاصرة في القضية الفلسطينية والدفاع عن مصر في مواجهة العدوان الصهيوني، وكذلك الدفاع عن كل حركات التحرر في العالم وهذا كعقيدة سياسية..

والأمر نفسه يمكن أن يُذكر للعراق قديما وحديثا؛ إذ كان جيشُ العراق وإمكاناته دوما في حروب بعيدة عن حدوده الجغرافية، وكان لفلسطين الاهتمام الأساسي في العقيدة الأمنية العراقية منذ صلاح الدين الأيوبي العراقي.. وكان للعراق أن حمى سورية أكثر من مرة وأسهم في مقاومة الشعب الفلسطيني خلال عقود طويلة.. كما كان له دورٌ بارز في حماية الخرطوم من السقوط أمام المتمردين في نهايات القرن الفائت.. كما كان له دورٌ أساس في كل مقاومات العرب وكفاحهم الحديث ضد الاستعمار الفرنسي والبريطاني.

دخلُ العراق 200 مليار دولار من عائدات النفط سنويا وعدد سكانه 42 مليونا، وعدد سكان الجزائر 43 مليون نسمة ودخل الجزائر 43 مليار دولار عائدات النفط والغاز.. وتتمتع كل من الجزائر والعراق بإمكانات خصبة للتنمية والثروات وتقع كل منها على جبهة حاسمة من نوعية خاصة تمتلئ تحديا واستفزازا..

الجزائر تقف في مواجهة محاولات التدخل الغربي ثقافيا وسياسيا وأمنيا منذ قرون لإرباك البلد عن السير الطبيعي على سلم النهضة، وهذه الجبهة نافذة للمعركة الكبيرة بين الأمة والغرب الاستعماري، وبمقدار ثبات الجزائر وصمودها وانتصارها تتراجع الهجمة الاستعمارية عن الأمة كلها، وهنا تتجلى طبيعة الصراع الحضاري بامتياز، وفي العراق حيث يقف العراق أمام جيران العرب التاريخيين: الفرس والترك، وحيث يتسلح كل من الجارين بأجندة قومية لتوسيع دائرة النفوذ، وهنا كان العراق دوما مصدا للشعوبية المزوَّدة بثقافة وسياسة وأحيانا بالسلاح، وكان قدر العراق دوما أن تنمو فيه معاني العروبة من واقع التحدي القائم، فكان الاشتباك المتقطع أو الدائم مع الفرس مسألة تاريخية تخبو أحيانا وتعود أحيانا أخرى، كما أن إسقاط العراق دوما يكون هدفا أول لأصحاب المشاريع الكبيرة إذ لا يمكن لها أن تمرّ بدون ذلك.

المجتمع الجزائري واقعٌ تحت تأثير الاستفزاز المستمر لأعصابه الحضارية، ويجد نفسه في مواجهة دائمة منذ عدة قرون مع الغرب الاستعماري، في حين يجد العراق نفسه منذ قبل الإسلام في مواجهة مع من يريد أن يهيمن عليه، ولهذا فهو مستفز دوما بعناصر شخصيته وهويته.

الجزائر والعراق واقعان تحت تأثير الاستفزاز الحضاري، وبمعنى آخر يقفان على بوابة التحدي الذي يستهدف العرب كقومية ورسالة.. ولهذا وتحت تأثير الاستفزاز تنهض الروح القوية العنيدة في المجتمعين للحفاظ على الوطن وعلى رسالته وقوته..

هنا لابد من الانتقال سريعا من دائرة الوطنية الساخنة الفاعلة الايجابية إلى رسالتها ودورها، فكما أن هذين الموقعين مصدات إستراتيجية لا يستطيع أيهما الوقوف وحده في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، وعلى اعتبار أنهما باستمرار مستهدفان وأن وطنيتهما مستهدفة.. يصبح جذب الأطراف العربية الأخرى قضية إستراتيجية ضرورية لحماية الجبهتين.. لإعادة التوازن الإنساني والسلم الدولي على قاعدة الندية وإعادة بناء الأخوَّة الإسلامية على قاعدة التكافل والتكافل والتعاون..

من هنا لا يمكن النظر سوى إلى الجزائر والعراق بهذا الوصف، فمثلا مصر هذا تبقى وطنيتها كامنة غير مفعلة لأنها عبارة عن جزيرة عربية محاطة بالعرب من كل جهة فهي تنفع كعمق وليس كواجهة صراع، وهناك نوع آخر من الأمثلة إنه سورية حيث تقف على حدود تحدي قومي تركي، إلا أن سورية وبلاد الشام لم يكن لها على مدار التاريخ دورٌ في صد العدوان الخارجي.. لها الرباط نعم والمقاومة نعم، ولكن ليس الصد وذلك لاعتبارات جيواستراتيجية تقف الديمغرافيا والإمكانات جزءا منها.

العراق والجزائر هما الأكثر تألقا والأكثر استفزازا وعطاءً ونباهة للأخطار الخارجية والأكثر رفضا للتدخل الخارجي، ولسبب يعلمه الله أن كلا منهما يمتلك قوة في إيراداته وقوة في طبيعة شعبه ومجتمعه لا تتكرر في الشعوب العربية الأخرى.. ومن هنا يكون الإشعاعُ الحضاري للعرب قادرا على إيقاظ الأمة بعد تصفية اللصوص والفاسدين، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • Bey

    فعلا الكثير من الخصائص تجمع البلدين

  • Jezeyri

    تقرير أكثر من رائع وتحليل جدا منطقي