-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الجزائر والمملكة العربية السعودية.. الماضي والمستقبل

الجزائر والمملكة العربية السعودية.. الماضي والمستقبل

تشرفتُ بتمثيل بلدي الجزائر كسفير مفوض فوق العادة في المملكة العربية السعودية الشقيقة لمدة أربع سنوات -من بداية سنة 2012 إلى نهاية سنة 2015- وقد وجدت نفسي في هذا البلد الشقيق بين أهل يبادلونني كل مشاعر الود، ويحيطونني بكرم حاتمي، وتعاون أخوي، وتَفَهُّم لا ينقطع، كما أنهم يرون في الجزائر أرض البطولات والشهداء والصدق والرجولة، نفس معاني النخوة العربية الأصيلة والشهامة والفروسية التي تَوارَثها العربي الأصيل وسَقلَها الإسلام بصدق الإيمان وخلق الإيثار، فجمع بلدينا خيار من خيار من خيار.

انتقلتُ كدبلوماسي من سفير في بروكسل لدى الإتحاد الأوروبي إلى سفير لبلدي لدى بلاد الحرمين الشريفين، غير أنّ لبوس الدبلوماسية الذي تدثّرتُ به في أوروبا لم يعد له حاجة في المملكة لأنني وجدت نفسي بين أهلي وأحبتي.

وكنتُ أطرح وجهة نظر بلدي بهذا الصدق والصفاء فيما يتعلق بتطوير العلاقات بين البلدين، وكنت أُجاب بنفس الروح والأريحية، الأمر الذي مهّد لي طريق العمل في هدوء وجديّة.

ليس هذا مستغربا من المملكة العربية السعودية اتجاه الجزائر خاصة، فمن يقرأ مذكرات أحمد الشقيري مندوب المملكة العربية السعودية في الأمم المتحدة إبّان الثورة التحريرية يعلم أنّ القضية الجزائرية كانت قضية المملكة، وقد تمّ تسجيل القضية الجزائرية في جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة باسم المملكة العربية السعودية في أقل من سنة بعد اندلاع الثورة التحريرية المباركة.

هذه الأرضية الصلبة التي لا تَكلُّف فيها ولا تصنع مع ثوابت الهوية في البلدين هي الإسمنت المسلح الذي تقوم عليه العلاقة بين الجزائر والسعودية.

ولا أُخفي سرا أنّي غادرتُ المملكة في بداية سنة 2016 وأنا غير راض عن مستوى العلاقات بين البلدين الشقيقين فيما يتعلق بالتبادل الاقتصادي والثقافي والعلمي، ذلك أنّ كل الشروط متوفرة أن تكون علاقة بلدينا نموذجية وفي أعلى مستوياتها لِمَا لدى البلدين من إمكانيات مادية وبشرية هائلة ولِمَا يربطهما من وشائج الأخوة والصفاء ولِمَا يربط قيادة البلدين من تقدير واحترام متبادل.

نحن نعيش هذه الفترة تحولات دولية غاية في الأهمية، وقد كانت الجزائر منذ منتصف السبعينيات تنادي بضرورة إعادة النظر في القواعد المُنظِّمة للعلاقات الدولية، وقد حان الوقت لمثل هذا التغيير. وأعتقد جازما أنّ للمملكة في الشرق العربي كما للجزائر في غربه الثِّقل اللازم لأن يكونا رقمين لا يُتَجاوزان في هذه التحولات المستقبلية.

وأعتقد أنّ هذا لا يغيب على صُنَّاع القرار في البلدين، وعليه وجب تنشيط العلاقة بين بلدينا على كل المستويات الاقتصادية والسياسية والثقافية صيانة للأمانة وصولا لوديعة شهداء الماضيين البعيد والقريب.

إنّ نظرة الجزائر في تعزيز مكانتها كرقم أساسي في بوابة إفريقيا، وحوض المتوسط، و الجناح الغربي للعالم العربي لا تقل أهمية عن نظرة المملكة في تعزيز مكانتها كرقم أساسي في بوابة الخليج، وقبلة المسلمين، والجناح الشرقي للعالم العربي. وعليه يكون تجذير العلاقة بين البلدين ذو بُعدٍ استراتيجي في عالم الغد خاصة وأنّ المملكة قد شرعت لنفسها رؤية واضحة حتى سنة 2030.

ومن أهم العيوب التي يجب معالجتها هو التصدي لموجات تعفين العلاقة بين البلدين، وكشف مروجي الإدّعاءات التي لا صلة لها بحقيقة وواقع الشعبين والبلدين، فالشعب السعودي كالشعب الجزائري مسلم، مضياف، يغيث الملهوف، ويكره الظلم، ويجاهد بالنفس والنفيس لصيانة دينه وعرضه وأرضه.

وإنّهما أيضا على قلب رجل واحد في الوقوف في وجه الغزاة، والاستدمار، واغتصاب حقوق الشعوب في العزة والكرامة، وتجمع البلدين قضية العرب والمسلمين الأولى، قضية فلسطين والأقصى، ولا أعلم أنّ المملكة اختلفت مع الجزائر في هذا الملف بالذات وكانت مواقفها دائما متطابقة دون مزايدة ولا هرج.

بقي شيء واحد تمنيتُ أن يتحقق بين البلدين وهو فتح باب تبادل تجاري واقتصادي دائم تُخفَّفُ فيه الإجراءات البيروقراطية، ويُفتَح فيه المجال على مصراعيه لمستثمري البلدين بشروط تمييزية يسيرة، الأمر الذي ينعكس إيجابا على شعب البلدين في التزاور والتعاون والتنافع ويفتح آفاقا جديدة على المستوى الاجتماعي والثقافي والعلمي والسياحي ثم بعد ذلك في التكامل الحضاري المستقبلي لإعادة بعث الأمة الشاهدة على الناس.

إنّها ممكنة التحقيق مع التجديد والمتغيرات الحاصلة اليوم على المستويين الإقليمي والعالمي.

وأخيرا، وبمناسبة اليوم الوطني 93 للمملكة العربية السعودية الشقيقة أتمنى لهذا البلد العزيز قيادة وشعبا مزيدا من السؤدد والتقدم في ظل أمن وأمان دائمين بإذن الله، وكيف لا وهي تحتضن البيت الذي من دخله كان آمنا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!