-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الجيش والشعب.. منْ يرافق منْ؟

الشروق أونلاين
  • 282
  • 0
الجيش والشعب.. منْ يرافق منْ؟

بعد عشرة أسابيع من عمر الحراك الشعبي في الجزائر، لا تزال تفصلنا خطواتٌ إجباريّة عن بلوغ خطّ الوصول المُعلّم، وفق إشارة الجماهير، بسقوط الباءات العالقة.

لكنّ وضع المُراوحة الذي دخلت البلاد نفقَه منذ استقالة الرئيس بوتفليقة يوم 02 أفريل الماضي، أصبح يثير الالتباس لدى الكثير حول آفاق الثورة السلميّة، بل إن البعض، على قلّتهم، لا يتوانوْن في غمز المؤسسة العسكريّة، إذ يرمون قيادتها، دون بيّنة، بمحاولة السطو على الهبّة الوطنيّة للجزائريين!

لقد شدّد الجيش من البداية على ضرورة تحقيق مطالب الشعب ضمن الضوابط الدستوريّة، وظلّ منسجمًا في كافة خطاباته المتوالية أسبوعيّا مع هذا التصوّر، حتى وإنْ فتح الآفاق لما سماه بـ”الحلول الممكنة”، مع تفاوت في حدّة اللهجة والتعبير السياسي من حين إلى آخر.

تمسّك المؤسسة العسكرية بتلك “المُقاربة الصعبة” فتح باب التأويل وحتّى التشكيك من قوى مناوئة في نيّات الجيش الخفيّة تجاه تطلعات الجزائريين نحو التغيير الفعلي، لأجل الانتقال إلى عهدٍ جديد، ينعمون تحت ظلاله بدولة الحق والقانون.

إذا عُدنا إلى تسلسل الأحداث منذ مطلع مارس الفائت، فإنّ المؤكد والمُعاين هو مرافقة الجيش لمطالب الشعب قولاً وفعلاً، ويجب كذلك، إقرار أن الموقف الوطني المسؤول والحكيم للمؤسسة العسكريّة كان مرجَّحًا ضمن موازين القوى والتدافع مع النظام السابق، دون أن يعني ذلك حالة التماهي في التفاصيل مع رؤية الحراك لمخارج الأزمة، لاختلاف المعطيات والتقديرات لمجريات الواقع، وما يلفّه من مخاطر ومحاذير، تقتضي التأنِّي والهدوء والتبصُّر لتفويت الفرصة على أعداء الوطن في كل مكان، وهو ما فتئت رسائل الجيش تبلّغه عبر الإيحاءات والتصريحات.

أضفْ إلى ذلك، أنّ حملة الإقالات المتسارعة وسط كبار المسؤولين، مع فتح ملفَّات الفساد بالجملة، مهما كانت التحفُّظات والملاحظات حول ظروف التحقيق والتقاضي، تقع في صلب المطالب الشعبية، كما تؤشِّر بوضوح على عزم السلطة الفعليّة على تنفيذها تدريجيّا، وهي بلا شكّ قطعٌ استباقي لطريق “الثورة المضادّة” ومناورات “الدولة العميقة”.

قد يسأل البعض: هل دور الجيش كاف حتّى الآن؟ أم إنّ الشعب يطلب المزيد؟

للإجابة عن ذلك، علينا التفكير بوعي وعقلانيّة للاعتراف بأنّ تدخلات الجيش السياسيّة مقيّدة بالإكراهات الدستوريّة في بيئة إقليميّة ودوليّة ملغّمة، ولها حساباتٌ معقّدة وثأريّة مع الجزائر، ما يجعل تحميل المؤسسة فوق طاقتها مغامرة غير محسوبة العواقب.

ستعلُو الحيرة وجوه آخرين مُستغربين: هل يتوقّف الحراك في منتصف الطريق إذن، يرقُب قدرَه المحتوم، أم يسلّم مصيره لقيادة الجيش؟

في اعتقادنا أن فرصة فرْض “الحلّ الشعبي” لا تزال قائمة إذا نجح الحراك في إحداث الثقب الضروري لاختراق الرّتابة التي صارت تطبع المظاهرات الأسبوعيّة، لكنّ مسؤولية التفكير والإبداع في هذه المهمّة غير المستحيلة تقع أساسًا على نخب الطبقة السياسيّة ورموز الانتفاضة.

أمّا إذا عجز هؤلاء مجتمعين عن زعزعة “الوضع الساكن” منذ استقالة بلعيز، فإنّ المنطق السياسي يُوجب الاستعداد بجديّة لتقديم بدائل موضوعيّة، تُمكّن الشعب من مرافقة الجيش هذه المرّة، حتى لا تنكسر أحلام الجزائريين على صخرة العناد الأعمى.

نظنّ أنّ اللقاء الوطني المفتوح لكافة فعاليات المجتمع، الذي أعلنت “قوى التغيير” عن تحضيره قريبًا، سيكون فرصة مكشوفة لعرض كل السيناريوهات الواقعيّة، وبسطها على طاولة البحث والمصارحة بدل الاحتماء وراء المتظاهرين.

لقد نبّه الكثير إلى أنّ مرور الوقت لن يكون في صالح الشعب، والوقائع اليوم تصدّق ذلك، فهل من المعقول أن تستمرّ بنا الحال أكثر، دون بروز مبادرة ناجعة تنتشل الحراك من التلاشي؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!