-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
صنعوا صورا رائعة وحملوا شعارات سياسية واجتماعية

الحراك الشعبي ورهان الندوة الوطنية

الشروق أونلاين
  • 533
  • 0
الحراك الشعبي ورهان الندوة الوطنية

تعيش الجزائر مرحلة مفصلية حساسة من تاريخها تحتم علينا جميعا التعامل معها بموقف وطني جامع من خلال ندوة وطنية جامعة مستقلة لا يكون لها لون إيديولوجي أو سياسي، ولا تخضع لإملاءات أيِّ جهة صعودا أو نزولا.
لقد حددت الرسالة الأخيرة لرئيس الجمهورية المنطلقات والمحاور الكبرى لهذه الندوة الوطنية الجامعة المستقلة التي ستكون “هيئة تتمتع بكل السلطات اللازمة لتدارس وإعداد واعتماد كل أنواع الإصلاحات التي ستشكل أسس النظام الجديد الذي سيتمخض عنه إطلاق مسار تحويل دولتنا الوطنية. وستكون هذه الندوة عادلة من حيث تمثيل المجتمع الجزائري ومختلف ما فيه من المشارب والمذاهب، وستتولى تنظيم أعمالها بحرّية تامة بقيادة هيئة رئيسة تعددية، على رأسها شخصية وطنية مستقلة تحظى بالقبول والخبرة، على أن تحرص هذه الندوة على الفراغ من عهدتها قبل نهاية عام 2019، وسيعرض مشروع الدستور الذي تعدّه الندوة الوطنية على الاستفتاء الشعبي، وستتولى هذه الندوة بكل سيادة، تحديد موعد إجراء الانتخاب الرئاسي”.
لا خلاف -بالنظر إلى محاور الندوة الوطنية الجامعة المستقلة الواردة في الرسالة أعلاه- بأنها ليست مجرد ندوة بالمفهوم التقليدي للندوة، وإنما هي بمنزلة مؤتمر حوار وطني جامع يستقطب كل المكونات والكفاءات الوطنية بغضّ النظر عن مذاهبها ومشاربها، وبغض النظر عن قناعاتها السياسية أو الحزبية، أي أن هذه الندوة -بتعبير أدق- هي وسيلة مثلى لتكريس ممارسة فعلية لحق المواطنة ونمط الديمقراطية التشاركية التي شكلت لأكثر من عقدين مطلبا اجتماعيا جامعا.
يجب أن ننظر إلى الندوة الوطنية الجامعة المستقلة المقبلة بقرينة البراءة وألا نعمد -أفرادا وأحزابا ومجتمعا مدنيا- إلى قراءتها قراءة ذاتية تميِّزها الأنانية والنظرة الآنية والانتقائية والانتقامية، ما سيعيقها عن تحقيق أهدافها الوطنية الجامعة التي نصبو إليها. إن النظرة إلى الندوة الوطنية الجامعة المستقلة بقرينة البراءة –في اعتقادي- هو الضامن الوحيد لرعاية التجربة الديمقراطية في الجزائر بالرغم من اعترافنا بأن هذه التجربة الناشئة بحاجة إلى إعادة تشكيل وتفعيل أكثر من أجل بلوغ الصورة المأمولة التي نتطلع إليها.
لقد وُصفت هذه الندوة بأنها ندوة وطنية، وهذا يعني أنها لن تكون نتاج قرار انفرادي أو توجه سلطوي أو حزبي وإنما ستكون نتاج حوار وطني جامع يصنعه المجتمعُ الجزائري المتلاحم والمتناغم مقودا وممثلا بالعنصر النخبوي الذي يكرس خبرته الفكرية والسياسية لخدمة المصلحة العليا للوطن.
ووُصفت هذه الندوة بأنها ندوة جامعة، وهذا يعني أنها لن تكون ندوة مغلقة أو حكرا على لفيف من السياسيين والجزائريين دون غيرهم، بل ندوة استقطابية تسع الجميع من دون استثناء. نريد من هذه الندوة في المقابل أن تكون ندوة انتقائية بالمعنى الوظيفي لأنه ليس من المقبول ولا من المعقول أن تتحول هذه الندوة إلى ندوة مُشاعة مستباحة يُدعى إليها كل من هب ودب ممن لا يملكون أفكارا ولا تصورا للحل وحلحلة الوضع السياسي بأي وجهٍ من الوجوه.
ووُصفت هذه الندوة بأنها ندوة مستقلة، وهذا يعني أنه لا ينبغي أن تتبناها جهة معينة أو تدعي الوصاية عليها كوسيلة للالتفاف عليها بطريقة أو بأخرى، فاستقلالية الندوة ستضع حدا للأبوة السياسية والحزبية وستمهد لتأسيس الجمهورية الجديدة التي ستعيد رسم المشهد السياسي بناءً على النتائج التي تخلص إليها الندوة بمعايير أكثر عدالة وآليات أكثر ديمقراطية.
يأتي الإعلان عن هذه الندوة الوطنية الجامعة المستقلة في ظل راهن سياسي لا نُحسد عليه نحتاج فيه إلى تجاوز خلافاتنا وتغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية من أجل تحقيق الإجماع الوطني الذي أرى أن دونه جهودا مضنية يجب أن تتركز بالدرجة الأولى على تخفيف حدة التجاذب السياسي الذي سيؤثر في حالة استمراره على مخرجات الندوة بشكل أو بآخر.
عن نفسي أقول لستُ متحزبا بل أنا بالتعبير السياسي من “التقنوقراط”، ولكنني برغم هذا أؤمن بأنني جزءٌ من النخبة الفكرية التي يضعها الراهن السياسي أمام امتحان صعب، راهن لا يقبل الحياد تحت أي عذر من الأعذار لأن الأمر يتعلق بمستقبل الوطن الذي يحتاج في هذا الظرف الحساس الذي يطبعه كثير من الخلل والتململ إلى نخبة واعية تضع خبرتها وحكمتها وحنكتها تحت تصرُّف الوطن برؤية فكرية متوازنة تجعلها جديرة من موقعها بإيجاد الحلول لراهن سياسي يزداد تعقيدا يوما بعد يوم.
إن مسارعة المعارضة السياسية -كلها أو جلها- إلى رفض ما جاء في الرسالة وخاصة ما يتعلق بالندوة الوطنية الجامعة المستقلة تمهيدا لتأسيس الجمهورية الجديدة مؤشرٌ غير إيجابي على المسار غير التوافقي والمآلات غير الموفقة والآفاق غير الواضحة لندوة الإجماع الوطني، وفي هذا الصدد ورغم إقراري بحق الأحزاب في إبداء مواقفها السياسية إلا أنني أدعوها إلى تكريس منطق التنازلات التي ستفضي بتوفيق الله وتوافقنا إلى عقدٍ سياسي واجتماعي جامع يجنِّبنا المهالك والمسالك غير الآمنة.
إن الندوة الوطنية الجامعة المستقلة هي شكلٌ من أشكال المرحلة الانتقالية وهي الحل الأسلم لتجنيب الجزائر المصير المجهول المفتوح على كل الاحتمالات، ولهذا فإننا نناشد من هم في السلطة والمعارضة والمجتمع المدني ومن هم في الحراك الشعبي التحضير وحضور الورشات المفتوحة التي ستحتضنها الندوة.
لا يمكن لأي جزائري أن ينكر أو يتنكر لمطالب الحراك الشعبي لأن كل واحد منا هو جزءٌ من هذا الشعب ولا يمكنه أن يتخندق إلا مع الشعب، ولكن المرغوب والمطلوب من هذا الحراك الشعبي أن ينقل مطالب الشارع إلى المشرِّع وأن يرشح نخبة قادرة على تجسيد مطالبه وتمثيله في الندوة الوطنية الجامعة المستقلة لأن سياسة الكرسي الشاغر لا تخدم الحراك الشعبي وإثمها أكبر من نفعها.
* الندوة الوطنية الجامعة المستقلة هي شكلٌ من أشكال المرحلة الانتقالية وهي الحل الأسلم لتجنيب الجزائر المصير المجهول المفتوح على كل الاحتمالات، ولهذا فإننا نناشد من هم في السلطة والمعارضة والمجتمع المدني ومن هم في الحراك الشعبي التحضير وحضور الورشات المفتوحة التي ستحتضنها الندوة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!