-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الحرية المصادرة

محمود بلحيمر
  • 4266
  • 0
الحرية المصادرة

الصحافة في الجزائر ليست بخير؛ فالأشياء الجميلة التي اكتسبانها منذ ثورة شباب أكتوبر 88 على النظام التسلطي القامع للحريات تمت مصادرتها، ونحن اليوم بمنظومة إعلامية هشة معظمها دخل باب التطبيع مع السلطة من بابه الواسع، وبعضها لا يملك وسائل ممارسة حريته والدفاع عنها. أما الإعلام العمومي فلايزال يسير بعقليات موروثة من عصر السوفياتي بريجنيف.

  • إحياء اليوم العالمي لحرية الصحافة الموافق ليوم 3 ماي كان كالعادة صورة مستنسخة عن طقوس متعبة تكررت خلال السنوات السابقة، فلم يحمل جديدا يطمئننا بأن الصحافة الجزائرية ستتحرر من الضغوط المسلطة عليها أو أنها ستتقدم قليلا في المجال المهني، باستثناء الثرثرةوالكلام الممل لمسؤولين ألفوا قول كلام جميل لأصدقائهم الصحافيين يشبه تماما ما قاله ديغول للجزائريين »لقد فهمتكم«، ليتبخر هذا الكلام مباشرة بعد نهاية الزردات التي تنظم بالمناسبة، لأنهم، وببساطة، يحشرون أنوفهم في مسألة لا يملكون القرار فيها.
  • آخر تقرير لمنظمة »مراسلون بلا حدود« صنّف الجزائر هذه المرة (أي خلال سنة 2008) في المرتبة الـ121. ذات التقرير يضع دولا إفريقية أضعف منّا سياسيا واقتصاديا وبشريا مثل مالي والطوغو والغابون وأنغولا وسيراليون وموريتانيا وكينيا وبورندي وغينيا بيساو والسنغال وتنزانيا والبنين، يضعها في مراتب أحسن منّا بكثير. فلقد جاءت مالي في المرتبة 31 رفقة غانا، واحتل الطوغو المرتبة 53 والبنين والمالاوي وتنزانيا المرتبة 70. أحسن الدول العربية في الترتيب هي الكويت التي جاءت في المرتبة 61 متبوعة بلبنان 66. بينما احتل المغرب مرتبة أسوأ من الجزائر (122) متبوعا بسلطنة عمان (123). وتظل دول عربية أخرى كالسعودية وتونس وليبيا ومصر والسودان وسوريا واليمن من الدول الأسوأ في مجال حرية الصحافة.
  • خلال الحملة الانتخابية للرئاسيات الأخيرة نقلت »اللجنة الدولية لحماية الصحافيين« و»محققون بلا حدود« ما وصفته بانتهاكات لحرية التعبير، مشيرة إلى حظر دخول ثلاث صحف فرنسية وهي: »لكسبراس، ماريان، ولوجورنال دو ديمانش«، لأنها تطرقت لمواضيع متعلقة بالرئيسبوتفليقة والجيش لم تعجب السلطات الجزائرية. تصرف من هذا النوع يضاف إليه جرجرة الصحافيين أمام المحاكم لممارستهم مهنهم في النقد والتحقيق والكشف، وإصدار العدالة لأحكام بالسجن في حقهم سيجعل الجزائر لن تبرح قائمة الدول التي تمارس الرقابة والقمع ضد الصحافة.
  • ماذا تغير منذ آخر 3 ماي، أو خلال السنوات الخمس الأخيرة؟ المنظومة الإعلامية الجزائرية أريد لها أن تبقى جامدة لا تتطور رغم أن قطاع تكنولوجيات الإعلام والاتصال يتطور بسرعة البرق، وكأننا نخوض لوحدنا معركة ضد الطبيعة والتاريخ! السلطة تصر على احتكار قطاع السمعي البصري والاستئثار بالتلفزيون العمومي للدعاية الرسمية واستغباء »الجماهير«. قطاع الإشهار العمومي لايزال محتكرا هو أيضا وتوزع ريوعه وفق منطق زبائني يرمي في النهاية لمقايضة حرية الصحافة بالمال العام، وبنفس الكيفية أصبحت تتصرف عدة مؤسسات خاصة لها علاقات متشابكة مع لوبيات المال والسياسة. والسلطات العمومية غير آبهة بنداءات الصحافيين والقانونيين لتغيير المنظومة القانونية للمهنة، سيما حذف الموادالقمعية التي تنص على سجن الصحافيين بسبب كتاباتهم وآرائهم، والتي أدرجها أحمد أويحيى لما كان وزيرا للعدل في قانون العقوبات. ومن الناحية المهنية والتقنية لازلنا بعيدين عما يجري في دول العالم وعن المعايير المتعارف عليها.
  • هل سيستمر هذا الوضع لخمس سنوات أخرى؟ ليست هناك معطيات مطمئنة على أن وضع الصحافة سيكون أحسن في السنوات الخمس المقبلة مما عليه اليوم. فالانتخابات الرئاسية الأخيرة أعطت صورة واضحة عن نمط النظام السياسي، وبالتالي عن المنظومة الإعلامية التي تناسبه وتنسجم مع توجهاته، في الخماسية المقبلة. ففي ظل نظام سياسي مغلق وينشد الأساليب التسلطية في الحكم وإدارة المجتمع، من الصعب الحديث عن حرية التعبير وعن صحافة متحررة من الضغط وقادرة على التجاوب مع مختلف مكونات المجتمع لتكون قنوات للتعبير. من جانب ثاني، من السذاجة الاعتقاد أننا سنبني صحافة قوية في ظل هشاشة المؤسسات والبنى السياسية الأخرى كالبرلمان والعدالة المستقلة وأحزاب قوية وجمعيات حقوقية ومجتمع مدني مستقل عن السلطة ويلعب دوره كقوة اقتراح…
  • هل نطمئن للسطرين ونصف التي خصصهما الرئيس بوتفليقة في خطاب القسم للعهدة الثالثة والتي قال فيها: »ستحظى حرية الصحافة، التي هي جزء أساسي من مشروعنا الديمقراطي، بالاحترام التام بحيث تبقى الدولة حريصة على تسهيل ممارسة وتطور المهنة أكثر فأكثر وعلى كافة الأصعدة«؟ في انتظار تجسيد الخطاب، لا بأس أن نذكر بأن الوصاية سبق وأن أعلنت مرارا نيتها في معالجة مشاكل المهنة. فآخر مبادرة جيدة كانت مع الوزير جيار، الذي دعا الإعلاميين للقاء بمقر نادي الجيش، ببني مسوس بالجزائر، في 29 جوان 2006 سميبراينستورمينغ الاتصال« »Brainstorming de la communication« لتشخيص مشاكل القطاع واقتراح حلول لها، واعتبر اللقاء فضاء حرا لطرح الأفكار الممكن تطبيقها للنهوضبالإعلام. ويبدو أن نتائج أعمال الملتقى ألقيت في سلة المهملات، بحيث لم يتحقق منها ولا بند واحد… »
  • تغيير حال قطاع الإعلام مرهون بأمرين أساسيين: أن تقلع السلطة على تسيير الإعلام وفق الأساليب السوفياتية بأن تطرح هاجس الخوف جانبا وتعمل مع المهنيين على وضع قواعد شفافة تنظم المهنة وتحظى باحترام الجميع. ثانيا، وهذا أساسي في نظري، هو أن حرية الصحافة والتعبير هي شأن يؤخذ ولا يعطى ببساطة، فالصحافيون الذين يقايضون حريتهم لقاء بضعة صفحات من الإشهار هم كالأشجار غير المثمرة، لا أمل معهم في النهوض بقطاع الإعلام، والذين يوهبون أنفسهم لخدمة أصحاب النفوذ و»ناس السلطة« ويسكتون عن الفساد والرشوة، ضياع حرية المجتمع ومصالح الوطن، هؤلاء يشكلون عائقا أمام حرية التعبير ولا أمل أنهم سيدافعون عنها في يوم ما…
  • هناك حقيقة ينبغي أن نقولها لقرائنا: لقد افتقدنا اليوم جرأة الصحافة الجزائرية التي عرفناها خلال العشرية السوداء من الإرهاب وضغط السلطة في منتصف التسعينيات. آنذاك كان الصحافي الجزائري كما صوره الكاريكاتوري ديلام: »قلم واحد في اليد، ديناران إثنان في الجيب، وثلاث رصاصات في الرأس«… ومع ذلك كان يقول كلمته بجرأة ويثير قضايا أساسية.
  • إن حدّا أدنى من الوفاء لزملائنا، شهداء المهنة بالأمس، يقتضي أن نسهر على حماية هذه الحرية التي دافعوا عليها بالأمس حتى لا تبقى مصادرة.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!