-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
القرآن كلام الله المنزّل من السّماء

الحلقة (20): السجع عند الكهان صناعة لفظية

خير الدين هني
  • 289
  • 0
الحلقة (20): السجع عند الكهان صناعة لفظية

كان السجع عند الكهان صناعة لفظية استهوتهم وأخذت بعقولهم إلى درجة الهوس، فلم يكونوا يتواصلون مع الناس إلا بالكلام المسجوع، ومرادهم من الكلام المسجوع هو جذب الناس إليهم بسحر الجرس الموسيقي للسجع لإبطال الحق والادعاء بعلم الغيب، وكانت العرب متأثرين بالسجع حتى في عهد النبوة.

روي في صحيح البخاري عن أبي هريرة، أنه قال: “قَضَى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- في امْرَأَتَيْنِ مِن هُذَيْلٍ اقْتَتَلَتَا، فَرَمَتْ إحْدَاهُما الأُخْرَى بحَجَرٍ، فأصَابَ بَطْنَهَا وهي حَامِلٌ، فَقَتَلَتْ ولَدَهَا الذي في بَطْنِهَا، فَاخْتَصَمُوا إلى النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فَقَضَى: أنَّ دِيَةَ ما في بَطْنِهَا غُرَّةٌ؛ عَبْدٌ أوْ أَمَةٌ، فَقَالَ ولِيُّ المَرْأَةِ الَّتي غَرِمَتْ: كيفَ أغْرَمُ -يا رَسولَ اللَّهِ- مَن لا شَرِبَ ولَا أكَلَ، ولَا نَطَقَ ولَا اسْتَهَلَّ، فَمِثْلُ ذلكَ يُطَلُّ؟! فَقَالَ النَّبيُّ- صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: إنَّما هذا مِن إخْوَانِ الكُهَّانِ”؛ لأن هذا الصحابي أتى بسجعات كالكهان، وهو الكلام الغامض المبهم الذي يعتمد فيه الكهان غريب الألفاظ، فتنعدم فيه وضوح الدلالة، ويكثر فيه الاختلاف في التأويل.

تدل هذه الحادثة بوضوح على أن بعض الصحابة، كانوا إلى غاية ذلك العهد من النبوة، متأثرين بسجعات الكهان التي كانت غالبة على حياة العرب قاطبة، وما يميز سجع الكهان على غيره من ضروب الكلام كثرة الأقسام، والأيمان بالكواكب والنجوم والرياح والسحب والليل الداجي، والصبح المنير والأشجار والبحار وكثير من الطير. مما يؤشّر على اعتقادهم الراسخ في ربوبية هذه الظواهر الطبيعية، والحلف بها يدل على تقديسهم لها وتعظيمهم لشأنها، ومراد الكهنة أن يرسّخوا عقيدة الوثنية في عقول الناس، والتأثير على نفوسهم وعواطفهم، كيما يصبحوا تبعا لهم.

ومما يُروى أن ربيعة بن نصر اللخمي أحد ملوك العرب، رأى رؤيا، فأولها له شقّ وسطيح، وقد اتفقا على تعبير هذ الرؤيا بمعنى واحد، من غير علم أحدهما بما قاله الآخر، فأخبره سطيح: بغزو الحبشة على بلاد اليمن، بسجع متكلّف يصعب تصديقه، فقال: “أحلف بما بين الحرتين من حنش، ليهبطن أرضكم الحبش، وليملكن ما بين أبين إلى جرش”، وقال شقّ: “أحلف بين الحرتين من إنسان ليهبطن أرضكم السودان، وليملكن ما بين أبين إلى نجران”.

ويروى عن الكاهنة زبراء أنها أنذرت قومها بغارة عليهم، فقالت: “واللوح الخافق، والليل الغاسق، والصبح الشارق، والنجم الطارق، والمزن الوادق، إن شجر الوادي لَيأدو ختلًا، ويحرق أنيابًا عصلا، وإن صخر الطود لينذر ثكلًا، ولا تجدون عنه معلًا”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!